كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

يقال : لا تسمع دعواه في مواضع الخلاف المتوارث لمنافاة الخلاف للإجماع . فأما التواتر ابتداءه كان عقب وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فوراً لم يمنع من دعوى إجماع سابق ،فلنا أن ندعي في قضيتنا هذه إجماع الصحابة، لأن جماعة منهم رووا الرفع وتواتر العمل به عن كثير منهم اعترف به به الكوثرى ، بل نسبه غير واحد من التابعين كالحسن البصري وسعيد بن جبير إلى الصحابة مطلقاً فاشتهر ذلك وانتشر ولا يعرف عن أحد منهم ما يدل على انه غير مشروع ، فأما ماروي عن بعضهم أنه تركه فلم يثبت ،وقد مر الكلام على ما روي عن ابن مسعود ويأتي الكلام على غيره ،ولوثبت بعض ذلك فإنما هو ترك جزئي ،أي في ركعة واحدة أو صلاة واحدة ،وذلك لا يدل على أن التارك يراه غير مشروع ،وإذ قد يكون ترخص لعذر أولغير عذر في ترك ما يعلمه مندوباً . بل لوثبت أن بعضهم تركه مدة طويلة لما دل ذلك على أنه يراه غير مشروع ،فقد جاء عن أبي بكر وعمر وابن عباس أنهم كانوا لا يضحون . بل قد ثبت أن الصحابة تركوا في عهد عثمان تكبيرات الخفض والرفع أو الجهر بها ، واستمر ذلك حتى أن علياً لما قدم العراق وصلى بهم وأتى بالتكبيرات الخفض والرفع أو الجهر قال عمران بن حصين كما في ( الصحيحين ) وغيرهما (( ذكرنا هذا الرجل صلاة كنا نصليها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )) وقال أبو موسى الأشعري فيما رواه أحمد وغيره بسند صحيح في (الفتح) (( ذكرنا الصلاة كنا نصليها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إما نسيناها وإما تركناها عمداً )) واستمر الترك بالحجاز حت أن أبا هريرة حين استخلفه مروان على إمارة المدينة في عهد معاوية صلى بهم فأتى بالتكبيرات وجهر بها فأنكروا ذلك، قال أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف كما في ( صحيح مسلم ): ((قلنا يا أبي هريرة ما هذا التكبير ؟ فقال : إنهال لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )) وصلى بهم بمكة فأتى بالتكبيرات وجهر بها فأنكووا ذلك ؟، وقال عكرمة كما في (صحيح البخاري ) وغيره (0فقلت لابن عباس إنه أحمق ، قال ثكلتك أمك سنة أبي القاسم محمد - صلى الله عليه وسلم - )) .
فأما التواتر فأمره واضح ،فإنه قد يحصل لشخص دون آخر ، وقد جاء

الصفحة 28