كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

و الفرق بين النصوص التي قيل إنها كانت من المجمل الذي ظاهر غير مراد، وهي متعلقة بالأحكام وبين النصوص المتعلقة بالعقائد التي ينفرد المتعمقون بإنكار ظواهرها من وجوه :
الأول : أن الأولى يعقل فيها تأخر الحاجة كآية تنزل في شوال ، وتتعلق بحكمٍ لصيام رمضان .
فأما الثانية : فالحكم المقصود منها يتعلق بالاعتقاد ، وهو يحصل عقب السماع فوقت الحاجة فيها هو وقت الخطاب .
الوجه الثاني : أن الأولى يعقل قيام قرينة تدافع الظهور .
وأما الثانية فبعيد عن ذلك لأن كثيراً منها أو أكثرها كانت موافقة لعقول المخاطبين ، فدلالة العقل تدفع ما قد يحتمل من قرينة وتصير النص صريحاً في ظاهره .
الوجه الثالث : أن الأولى لا تخلو فائدة فقد ذهب حمع من أهل العلم إلى أن من احتاج إلى عمل ووجد نصاً يتعلق به إلا أنه يحتمل أن يكون له ناسخ أو مخصص أو مقيد، ولم يمكنه البحث حالاً كان عليه العمل بذلك النص ثم يبحث ، ويشهد لهذا أن استقبال بين بيت المقدس نزل نسخه وأناس من المسلمين غائبون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فبقي الحكم في حقهم استقبال بيت المقدس حتى بلغهم النسخ ، وكذلك تحريم الخمر نزل وأناس من المسلمين غائبون ، فبقي الحكم في حقهم حلها حتى بلغهم التحريم ، هذا مع أن من أولئك الغائبين من غاب بعد أن علم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتوقع القبلة وتحريم الخمر ، وعلى هذا فإذا جاز أن تنزل في شوال آية تتعلق بحكم رمضان وتكون مجملة لها ظاهر غير مراد وتكون هناك قرينة تدافع ذاك الظهور فسمعها بعض المسلمين ثم غاب ، وطالت غيبته حتى دخل رمضان كان عليه العمل بتلك الآية ، وإن كان محتملاً عنده نزل بع غيبة ما يبين أنها على خلاف الظاهر ، فهذا ونحوه إنما يعقل في الأحكام التي يعقل فيها الاختلاف ، فيكون الحكم حقاً في وقت أو حال ، وباطلاً في غيره ، فأما الاعتقادات فإنما تكون على حال واحدة .
الوجه الرابع : أن الظهور في الأولى ضعيف واحتمال خلافه قوي ، وذلك كالعموم ، وقد قيل : ما من عام خص ، وكالإطلاق وهو قريب من ذلك ، والثانية كثير منها

الصفحة 342