كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

و خيرها وأعلمها بالدين وأثبتها على الحق، وكان أسلافنا من المتعمقين علماء خياراً صالحين، يعرفون فضل السلف، فلم يكونوا ليخالفوهم.
فيقال لهؤلاء إن أسلافكم ذهبوا إلى أنه لا يحتج بالعقائد بالكتاب ولا السنة ولا أقول السلف، بل كان المتبعون منهم من أجل خلق الله بالسنة، وأقول السلف، وإنما استقروا عقائدهم من النظر العقلي المتعمق فيه، ثم اعتراض بعض نصوص القرآن التي تخالف راية ورأي أشياخه من المتعمقين، فحاول صرفها عن معانيها، مع أنه في مواضع آخر يقرر أن مثل ذلك الصرف لا يسوغ وأن الخبر إذا كان صريحاً في معنى أو ظاهراً فيه ولا قرينة صحيحة تصرف عنه، فزعم أن ذاك المعنى غير واقع تكذيب للخبر وإن زعم أن المخبر تأول في نفسه معنى آخر كما تقدم إيضاحه غير مرة، وهكذا تصدى بعضهم لنصوص السنة التي تخالف راية ورأي أشياخه فرد بعضها زاعماً أنها مخالفة للعقل، وحاول صرف بعضها عن تلك المعاني كما صنعوا في نصوص القرآن، ولعلهم بظهور سخافتهم فيما يرتكبونه يحاولون ترويجه بأمرين:
الأول: زعمهم أن الملجئ لهم إلى ذلك احتياجهم إلى الدفاع عن الدين، لئلا يلزم من مجيئه بتلك النصوص بطلانه!
الثاني: عيب أئمة المؤمنين الذين يصدقون الله ورسوله، والسخرية منهم بأنهم لا يعقلون ولا يفهمون، ويسمونهم ((الحشوية)) وغير ذلك من الأسماء المنفردة - كما صنع أبن الجويني المدعي إمام الحرمين في رده على كتاب ((الإبانة)) للحافظ أبي نصر السجزي، وذلك قبل أن يرجع ابن الجويني ويتمنى الموت على دين عجائز نيسابور، وكما صنع ابن فورك في كتابه (مشكل الحديث)، وأني والله ما آسى على ابن فورك وإنما آسى على مسحوره البيهقي الذي امتلأ من تهويلات ابن فورك وغيره رعباً فاستسلم لهم وانقاد ورائهم. (1) وكان عبد الرزاق ابن همام الصنعاتي قد أخذ عن جعفر بن سليمان الضبعي طرفاً من التشيع، فشنعوا عليه بذلك حتى قال محمد بن أبي بكر المقدمي، فقدت عبد الرزاق، ما أفسد جعفر بن سليمان غيره،
__________
(1) يعني أن البيهقي سحر بتأويلات فورك وانبهر بها فأخذته عن السير في طريق الصحابة وكبار التابعين وتابعيهم إلى السير وراء ابن فورك كما تجد كثيراً من ذلك في كتابه ((الأسماء والصفات)). م ع.

الصفحة 345