كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

لم يكونوا أفضل من آبائنا وأشياخنا فلم يكونوا دونهم، وإذا راجعت نفسك علمت أنك لست بأحق من مخالفك بالقناعة بما مضى عليه الآباء الأشياخ، وأنه كما يحتمل أن يكون آباؤه وأشياخه هم المبطلين عمداً أو خطأ فمن المحتمل أن يكونوا هم المحقين، بل الحق أنه لك ولا له في التضحية بالنفس والدين في سبيل التعصب الفارغ الذي يعود بالخسران المبين، وبالضرر على الآباء والأشياخ أنفسهم، كما مر في أوائل الرسالة. فدع الآباء والأشياخ، والتمس الحق من معدنه، ثم إن شئت فاعرض عليه مقالة آبائك وأشياخك فما وافقه حمدت الله تعالى على ذلك، وما خالفه التمست لهم العذر، برجاء أن يكونوا لم يعتمدوا الباطل، ولم يقصروا تقصيراً لا يسعه عفو الله تبارك وتعالى، بل قد ثبت رجوع بعض أكابرهم كما مر (1) في الباب الأول، ولعل غيرهم قد رجع وإن لم ينقل. فإذا سلكت هذه الطريق فقد هديت، وإن أبيت إلا التعصب لآبائك وأشياخك، والجمود على اتباعهم، فقد قامت عليك الحجة. والله المستعان.
(الأينية، أو القومية، أو كما يقولون: الجهة)
اطلقت انا: الأينية لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله للسوداء: أين الله؟ قالت: في السماء، وفي آخر الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم لسيدها: اعتقها فإنها مؤمنة.
و في حديث أبي رزين العقيلي قال: ((قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: كان في عماء، ما تحته هواء وما فوقه هواء، وخلق عرشه على الماء)) (2)
في الأثر عن عثمان أنه قال لرجل ظنه أعرأبياً: ((يا أعرأبي أين ربك؟)).
__________
(1) في وصية الرازي وإمام الحرمين عند موته. م ع.
(2) وحديث الجارية السوداء في الموطأ وصحيح مسل وغيرهما وحديث أبي رزين في ((جامع الترمذي)) وانظر أثر عثمان في كتب الآثار، ولعل المؤلف يشير فيما بعد إلى من أخرجه. م ع
قلت: حديث أبي رزين مع شهرته وتحمس بعض السلفيين له لا يصح من قبل إسناده، فيه وكيع بن حدس، قال الذهبي: ((لا يعرف))، وفيما صح في الباب ما يغني عنه. ن

الصفحة 347