كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

وأرى أن أسوق هنا عبارة الشيخ أبي الحسن الأشعري في كتابه (الإبانة) (1) تأنيساً للمنتسبين إليه وغيرهم لأنه أشهر المتبوعين في المقالات التعمقية، وفي (روح المعاني) وغيره أن كتاب (الإبانة) آخر مصنفاته - قال: ((باب ذكر الإستواء على العرش: إن قال قائل ما تقولون في الاستواء؟ قيل له نقول: إن الله عز وجل مستوٍ على عرشه كما قال: [الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى]، وقد قال الله عز وجل: [إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ]، وقال: [بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْه]، وقال عز وجل: [يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْه]، وقال حكاية عن فرعون: [يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ. أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً] كذب موسى عليه السلام في قوله إن الله عز وجل فوق السموات، وقال عز وجل: [أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْض]، فالسموات فوقها العرش فلما كان العرش فوق السموات قال: [أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ]، لأنه مستو على العرش الذي فوق السموات وكل ما علا فهو سماء، فالعرش أعلى السموات ... . ورأينا المسلمين جميعاً يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله عز وجل مستو على العرش الذي هو فوق السموات ... . (سؤال) وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية أن قول الله عز وجل: [الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى] أنه استولى وملك وقهر، وأن الله عز وجل في كل مكان، وجحدوا أن يكون الله عز وجل على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة. ولو كان هذا كما ذكروه كان لا فرق بين العرش والأرض ... . وزعمت المعتزلة والحرورية (2) والجهمية أن الله عز وجل في
__________
(1) كتاب مشهور للأشعري طبع مراراً في الهند ومصر، وقد ذكره جماعة من القدماء ونقلوا عنه - منهم الحافظان الشافعيان أبو بكر البيهقي وأبو القاسم بن عساكر وجماعة آخرون كما في رسالة ابن درباس المطبوعة مع الإبانة. المؤلف
قلت: ز كما في ((تبين كذب المفتري)) لابن عساكر فقد اعترف فيه بالإبانة للأشعري ونقل منها ودافع عن الأشعري بما نقله منها. م ع
(2) الحرورية هم الخوارج نسبة إلى حروراء بلد على دجلة والفرات لجأور وتحصنوا به بعد ما خرجوا على علي ابن أبي طالب فخرج إليهم فيها وقاتلهم حتى شتت شملهم، وقد ثبت منهم الأباصية والأزارقة وغيرهم ووكرهم بجزيرة العرب مسقط وعمان- - ولحج ولهم فروع بجنوب افريفيا زنجبار، وبشمالها بالجزائر ولهم مؤلفات في الحديث والفقه كمسند الربيع بن حبيب، وشرحه بعض متأخريهم باسم ((الجامع))، كلاهما مطبوع بمصر. م ع.

الصفحة 348