كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

((تفكروا في خلق الله عز وجل ولا تفكروا في الله عز وجل، فإن بين كرسيه إلى السماء ألف عام، والله عز وجل فوق ذلك)).
دليل آخر: وروت العلماء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمة سوداء فقال يا رسول الله إني أري أن اعتقها في كفارة فهل يجوز عتقها؟ فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - أين الله؟ قالت: في السماء، قال: فمن أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اعتقها فإنها مؤمنة. وهذا يدل أن اللع عز وجل على عرشه فوق السماء.)) (1)
يعلم من عبارة الأشعري وغيرها أن الأمة كانت مجمعة على إثبات الأينية (2) غير أن السلف يثبتون الفوقية، والجهمية تقول بالمعية، أي أنه تعالى في كل مكان، وثبت السلفيون على قول السلف على الحقيقة، ووافقهم على ذلك في الجملة فرق قد انقرضت، وصار المتعمقون إلى فرقتين، الأولى: تدعي موافقة السلف، والأخرى: تنمى إلى الجهمية، واتفقت الفرقتان على نفي الأينية، لكن الأولى تطلق ما يظهر منه الفوقية، وتتأول ذلك بالفوقية المعنوية، والثانية: تطلق أنه تعالى في كل مكان، وتتأول ذلك بالعلم والقدرة، وعرضهما التمويه والتمهيد لتأويل النصوص وأقوال من سبق.
و على كل حال فعبارة الأشعري التي سقناها صريحة واضحة في أنه يثبت الفوقية الذاتية على الحقيقة، والمنتسبون إليه يواربون محتجين بأنه ينفي الجسمية.
فيقال لهم: إن كان صريح بنفي الجسمية فيحتمل حاله أوجهاً:
الأول: أن يكون رجع عن ذلك وقد تقدم أن (الإبانة) آخر مصنفاته.
الثاني: أن يكون إنما ينفي الجسمية المستلزمة للمحذور - على حد قول جماعة: ((جسم لا كالأجسام)).
__________
(1) أهل كلام الأشعري رحمه الله تعالى. م ع.
(2) يعني أن الأمة الإسلامية جميعاً من سلفيين صحابة وتابعيهم وجهمية مخالفين لهم، جميعاً يؤمنون بجواب أين الله تعالى؟ فالسلفيون يؤمنون أن الله في السماء فوق العرش، والجهمية والمعتزلة يؤمنون أنه في كل مكان، فرد عليهم الأشعري بالنصوص السلفية إثباتاً لعلوا الله على عرشه. م ع.

الصفحة 350