كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

رابعاً قوله: ((حتى تكاد تجزم بنفي ما ليس في الجهة)). والحق أنها تجزم بذلك كل الجزم، إلا أن يبتلى بعضها بالتشكك كما مر.
خامساً قوله: ((مع تنبيهات دقيقة)) إن أراد بالتنبيهات قوله تعالى: [ليس كمثله شئ وهو السميع البصير] ونحوها فقد تقدم الجواب، وإن أراد الدلائل على وجوب الوجود والغنى فقد تقدم الكلام فيها، وعلى كل حال فليس في العقول الفطرية ولا النصوص الشرعية ما يصح ونظراءه لزوماً واضحاً تكذيب النصوص ولابد.
وقد حكى بعض المحشين على (المواقف) عبارة التفتازاني المذكورة ثم تعقبها بقوله: ((فيه فتح باب الباطنية لأنه جاز إظهار الباطل حقاً في آيات كثيرة وتقريره في عقول عامة المسلمين لقصور دركهم جاز مثله في سائر الأحكام كخلود العذاب الجسماني والجنة والجسماني والصراط الأدق من الشعر لأن الصرف عن الظاهر لا يتوقف على استحالة بل الاستبعاد كاف نحو رأيت الأسد في الحمام، فالحق أن تأويل تلك الآي بظهور المجرد في صورة الجسماني)).
أقول: حاصل هذا التعقب موضحاً أن الاستحالة المزعومة لم تكن تدركها عقول المخاطبين فلا يصح عدها قرينة تدفع الكذب، فإن زعمتم أنه اقتضت المصلحة التسامح في هذا والاكتفاء بجواز الكذب من الله ورسله والتكذيب منكم بأن هناك ما لو علمه المخاطبون لكان قرينة وهو الاستحالة العقلية كان للبطنية أن يعتذروا بنحو عذركم عن تأويلاتهم لغالب العقائد والأحكام متشبثين بدعوى الاستبعاد كما تشبثتم بدعوى الاستحالة، والحاصل أنكم تشبثتم باقتضاء المصلحة ودعوى وجود ما لو علمه المخاطبون لكان قرينة، وهذه حال الباطنية أيضاً.
ثم أقول: الاستحالة مدفوعة، وكثير من النصوص صريح لا يحتمل غير ذاك المعنى الذي

الصفحة 359