كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

فإن قيل : قد روي عن إبن إسحاق السبيعي انه قال : (( كان أصحاب عبد الله وأصحاب علي لا يرفعون أيديهم إلا في افتتاح الصلاة )) .
قلت : إنما أراد الذين صبحوا عبد الله ثم صبحوا علياً ولذلك قدم ذكر عبد الله مع أن علياً أفضل ،وكان أبو إسحاق يتشيع وأصحاب عبد الله هم كانوا بعده المقتدي بهم من أصحاب على ،وفي مقدمة ( صحيح مسلم ) عن المغيرة بن مقسم قال : (( لم يكن يصدق على عليّ في الحديث عنه إلا من أصحاب عبد الله بن مسعود )) . وكان أصحاب عبد الله يلزمون ما أخذوه عنه ،وإن رأوا علياً يخالفه كما لزموا التطبيق وغيره . وقد تقدم الكلام على أخذهم عن عبد الله ترك الرفع فلا تفغل فإن قيل : ولماذا لم ينكر عليهم علي ؟ قلت : لعله لم يقف على ذلك من حالهم ، أو أنكر عليهم فلم يقنعوا كما يحتمل ذلك في قضية التطبيق .
بقي قول ابن تركماني : ((لخصمه أن يعكسه فيجعل فعل على بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - دليلاً على نسخ ما تقدم )) .
فأقول :ليس هذا بشيء فقد تقرر في الأصول أن الحكم إذا ثبت فادعي بعض الصحابة نسخة وخالفه غيره منهم ، لم يثبت النسخ بتلك الدعوى إذ قد يكون استند صاحبها إلى مالا يوافقه غيره على أنه دليل يوجب النسخ . وقد اختلف الصحابة في عدة أحكام ذهب بعضهم إلى أنها منسوخة ،وخالفه غيره ،ولم يرا المخالف في قول صاحبه : هذامنسوخ حجة ،ولا رأى القائل قوله ذلك كافيا في إثبانت النسخ ، فكيف يظن بعلي أن يكون يرى أن الرفع منسوخ ثم يخبر بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع ،ويعلم أن غيره من الصحابة يخبرون بذلك ويعلمون به عملاً شائعاً ذائعاً ثم لا يتبع على إخباره بذلك ببيان الحجة على نسخة ويعلن ذلك ؟
بل يقتصر على ماليس بدليل على النسخ ولا صريح في دعواه ولا ظاهر فيها وهو الترك ، إذ قد لا يرقبه الناس في صلاته ، فإن رقبة بعضهم فقد يقول لعله ترك لبيان ألجواز، أو لعذر، أو سها ، أو ترخص كما ترخص عثمان وغيره في ترك التكبيرات أو جهر بها كما تقدم . هذا ما لا يكون

الصفحة 36