كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

و الفرق بين سماع موسى عليه السلام كلام الله تعالى وسماعنا له على هذا أن موسى عليه السلام سمع من الله عز وجل واسطة لكن من وراء حجاب، ونحن إنما نسمعه من العبد التالي)). وعاد إلى تخليط المتصوفة.
فأقول: قد مر الله تبارك وتعالى عباده بتدبر القرآن وتصديقه والإيمان به على حسب فطرهم وعقولهم الفطرية، ولم يكلفهم تعمق المتكلمين فضلاً عن تغلغل المتصوفة، سواء أكان عن تخيل أم عن تعقل، وفي (الصحيحين) عن ابن عمر ((قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا (أشار بيديه مبسوطة أصابعهما) وعقد الإبهام على الثالثة، ثم قال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا (أشار بها مبسوطة أصابعهما في الثلاث كلها) يعني تمام الثلاثين يعني تسعة وعشرين مرة ثلاثين)).
وإذ أعترف المتعمقون بأن الله تبارك وتعالى يتكلم بلا واسطة بعبارة وحرف وصوت ويسمع كلامه من يشاء من خلقه، فهذا الذي قامت عليه الحجة، وعليه سلف الأمة وأتباعهم، ولم يبق إلا التنطع عن الكيفية، وهي من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله، ولا يبتغيه إلا أهل الزيغ [والراسخون في العلم يقولون: آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا ومن لدنك رحمة أنك أنت الوهاب].
الإيمان قول وعمل يزيد وينقص
اشتهر عن أبي حنيفة أنه كان يقول: ليس العمل من الإيمان، والإيمان لا يزيد ولا ينقص. وروى الخطيب عن جماعة من أهل السنة إنكارهم ذلك على أبي حنيفة، ونسبته إلى الأرجاء، فتكلم الكوثري في تلك الروايات، وحاول التشنيع على أولئك الأئمة، وأسرف وغالط على عادته، فاضطررت إلى مناقشته دفعاً لتهجمه بالباطل على أئمة السنة.
قال الكوثري ص 40 من (تأنيبه): ((يرى أبو حنيفة أن العمل ليس بركن أصلي من الإيمان، بحيث إذا أخل المؤمن بعمل يزول منه الإيمان، كما يرى أن الإيمان هو العقد الجازم بحيث لا يحتمل النقيض، ومثل هذا الإيمان لا يقبل الزيادة والنقص)).

الصفحة 362