كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

وقال ص 34: ((وحيث كان أبو حنيفة وأصحابه لا يرون تخليد المؤمن العاصي في النار، رماهم خصومهم في الأرجاء وأعلنوا عن أنفسهم أنهم منحازون إلى الخوارج في المعنى)).
وقال ص 44: ((والإرجاء بالمعنى الذين هم يقولون به هو محض السنة، ومن عادى ذلك لا بد أن يقع في مذهب الخوارج أو المعتزلة شاعراً أو غير شاعر)). ثم قال:
كان في زمن أبي حنيفة وبعده أناس صالحون يعتقدون أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ويرمون بالإرجاء من يرى إن الإيمان هو العقد والكلمة، مع أنه الحق الصراح بالنظر إلى حجج الشرع، قال الله تعالى: [ولما يدخل الإيمان في قلوبكم]، (1) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر، ونؤمن بالقدر خيره وشره)) أخرجه مسلم عن ابن عمر، (2) وعليه جمهور أهل السنة، وهؤلاء الصالحون باعتقادهم ذلك الاعتقاد أصبحوا على موافقة المعتزلة أو الخوارج حتماً، إن كانوا يعدون خلاف اعتقادهم هذا بدعة وضلالة، لأن الإخلال بعمل من الأعمال - وهو ركن الإيمان - يكون إخلالاً بالإيمان، فيكون من أخل بعمل خارجاً من الإيمان، إما داخلاً في الكفر كما يقوله الخوارج، وإما غير داخل فيه، بل في منزلة بين منزلتين - الكفر والإيمان - كما هو مذهب المعتزلة، وهو من أشد الناس تبرؤاً من هذين الفريقين، فإذا تبرموا أيضاً مما كان عليه أب حنيفة وأصحابه وباقي أئمة هذا الشأن يبقى كلامهم متهافتاً غير مفهوم، وإما إذا عدوا العمل من كمال الإيمان فقط، فلا يبقى وجه للتنابز والتنابذ، لكن تشددهم هذا التشدد يدل على أنهم لا يعدون العمل من كمال الإيمان فحسب، بل يعدونه ركناً منه أصلياً، ونتيجة ذلك كما ترى ... فإرجاء العمل من أن يكون من أركان الإيمان الأصلية هو السنة، وأما الإرجاء الذي يعد بدعة، فهو قول من يقول: لا تضر مع الإيمان معصية، وأصحابنا أبرياء من مثل هذا القول ... . ولولا مذهب أبي حنيفة وأصحابه في هذه للزم إكفار جماهير المسلمين غير
__________
(1) وقع في ((التأنيب: ((قلوبهم)) سهواً. المؤلف
(2) كذا الأصل، أعني ((التأنيب)) وهو خطأ، والصواب: ((عمر بن الخطاب)) فإنه من مسنده عند مسلم وغيره، وإنما رواه ابن عمر عنه، فتوهم الكورثي أنه من مسند ابن عمر. ن

الصفحة 363