كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

كاصطدام القطار، أو غرق الباخرة أو نحو ذلك، وينج لتأخره، وقد يتفق خلاف هذا بأن تسلم الرفقة وتغنم، ويخرج هو بعد الصلاة فيصيبه ضرر. وأشباه هذا كثيرة لا تكاد تمضي ساعة إلا ويقع شئ منها. ولا ريب أن اعتقاد الإنسان بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يبقى على حال واحدة مع اختلاف الأمور المذكورة، بل يصفو تارة، ويتكدر أخرى، ويقوى تارة، ويضعف أخرى، ويزيد تارة، وينقص أخرى.
ولا أدرى عاقلاً يتصور حاله وحال الملائكة والأنبياء ويقول: إن يقينه مثل يقينهم. وقد حاول الكوثري أن يجيب عن هذا فقال ص 67:
((نعم، إن الإيمان الأنبياء، وإيمان العلماء، وإيمان العوام يتفاوت من جهة ما يحتمل الزوال منها، وما لا يحتمله، واحتمال الزوال أو عدم احتماله، ناشئ من أمر خارج، وذلك من تفاوت طرق حصول الجزم عندهم، لا من التفاوت في ذات الإيمان، فالإيمان عند الأنبياء لا احتمال لزواله منهم، لأن حصوله عن مشاهدة ووحي قاهر، وإيمان العلماء يحتمل الزوال بطروء بعض شبه على أدلة الإيمان عندهم، ولو احتمالاً ضعيفاً، وأما إيمان العوام فربما يزول بأيسر تشكيك ... . فبهذا البيان اتضحت المسألة تمام الاتضاح إن شاء الله تعالى لكل من ألقى السمع وهو شهيد)).
ونَوَّهَ عن هذا الكلام ص 193 بقوله: ((تحقيق بديع ... ))!
أقول: لنا أن نلتمس من الأستاذ الكوثري أن يفكر في اعتقاده أن الثلاثة من حيث العددية أقل من الستة، هل يمكن أن يتشكك فيه يوماً ما مع بقاء عقله؟ فإن قال: لا، فليستعرض الاعتقادات الدينية الضرورية للإيمان، التي يرى أنه جازم حق الجزم، هل يمكن أن يتشكك في بعضها يوماً ما؟ فإن قال: لا، فقد أخرج نفسه من زمرة العلماء الذين قضى في عبارته السابقة بأن يحتمل الزوال!
وإن قال: يجوز ذلك.
قيل له: فتجويزك هذا ألا يدل على أن جزمك بتلك العقيدة دون جزمك بأن الثلاثة نصف الستة؟.

الصفحة 369