كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

فالحق ما تقدم من وهن أثر النهشلي أو وهم كليب ، وتحقق ما قاله البخاري إنه لا يثبت عن أحد من الصحابة ترك الرفع إلى ان يكون بعضهم تركه في وقت ما لبيان الجواز أو غيره مما تقدم . والله أعلم .
وأما الامر السابع وهو قول الكوثري : (( فيدل ذلك على التخيير الأصلي )) فإن أراد بالتخيير الأصلي إن احد الأمرين مندوب والأخر جائز فهذا وجه ويتعين أن يكون المندوب هو الرفع فيكون تركه تركاً لمندوب وهو جاء في الجملة ولا يصح عكسه فإن من يرفع على وجه التعبد كما لا يخفى ولو كان الرفع غير مشروع فكان فعله على وجه التعبد بدعة وكذباً على الله تعالى وتكذيباً بآياته فيكيف يقال أنه جائز ؟ وإن أريد ان كلا الامرين مندوب ، فندب الرفع حق ثابت معقول ولا دليل على ندب الترك مطلقاً ، ولا هو مع ندب الفعل بمعقول ، فإن ترك المندوب حيث ندب إنما يكون مكروهاً أو خلاف الاولى والتخيير بين المندوبين إنما يكون بين فعلين كالا اذكار المأثورة في إفتتحاح الصلاة ، إذا ثبت منها إثنان مثلا فيقال أيهما أتنى به المصلي فقد احسن ، وإذا اتى بها بأحدهما لم يكن تركه للأخر مكروهاً ولا خلاف الاولى، لأنه إا تركه إلى أخر يقوم مقامه .
فإن قيل : فههنا أيضاً امران : الرفع والسكون ، فمن رفع الترك فقد أتى بالسكون وهو مندوب .
قلت : السكون ترك وإنما شرع السكون في الصلاة عن الحركات التي لم تشرع فيها كما في ( صحيح مسلم ) وغيره من حديث جابر بن سمرة قال ( صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكنا إذا سلمنا قلنا بأيدينا : السلام عليكم ، السلام عليكم ، فنظر إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما شأنكم تشيرون بأيديكم كأنها أذناب خيل الشمس ؟ إذا سلم أحدكم فيلتفت الى صاحبه ولا يويء بيده ) فأمرهم بالسكون عن تلك الحركة وهيه رفع أيدي عند السلام ، ولإشارة بها يمنى ويسرى وأمرهم بالالتفات وهو حركة أيضاً وإنما الفرق إن الحركة الاولى غير مشروعه ، فعلى هذا يجري الأمر في سائر الحركات في الصلاة فما كان واجباً لم

الصفحة 37