كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

الأولى: اعتقادك ثبوت كل أمر من الأمور التي ترى اعتقاد ثبوت جميعها هو الإيمان الذي لا بد منه.
الثانية: اعتقادك أنك جازم بكل واحد من تلك الأمور الجزم الكافي عند الله عز وجل.
الثالثة: اعتقادك أنك وافٍ بجميع الأمور الضرورية للإيمان في نفس الأمر، من اعتقاد وفعل وترك.
فمن قيل له: أمؤمن أنت؟ فقال: أرجو، أو: إن شاء الله، فهذا يتعلق بالقضية الثالثة كما لا يخفى، ولا يجب تعلقه بالثانية، فأما الأولى فبعيد عنها.
وقد دلت آيات الحجرات السابقة على أن المؤمن قد يزول إيمانه وهو لا يشعر فكيف يسوغ ذلك مع هذا أن تجزم بالقضية الثالثة فتقول: أنا عبد الله مؤمن حقاً، اللهم ألا أن تريد بالإيمان معنى هذا كمجرد النطق بالشهادتين، أو مجرد الاعتراف اللساني بربوبية الله عز وجل.
و تدبر آيات الحجرات، وتأمل معاملتك للنصوص الشرعية التي تخالفها في العقائد والإيمان والفقه زاعماً أنك تخالف ظواهرها، وأنعم النظر في ذلك ألا تخشى أن يكن في معاملتك لها ما هو قديم بين يدي الله ورسوله ورفع لصوتك خلاف صوته وجهر له بالقول كما تجهر لمخالفيك ودون جهرك لأئمتك في الكلام والفقه بكثير؟!
وتدبر قوله تعالى: [فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُون] إلى قوله: [وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً] إلى قوله: [فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً]. النساء - 59 - 65
وانظر أين أنت منها، ففي هذا الإجمال كفاية، وبها يتضح ما في عبارة الكوثري من المغالطة، فإنها توهم أن قول القائل: أرجو، أو: إن شاء الله، ينافي الجزم بما في القضية الأولى، فإن قول الكوثري في تفسير ذلك ((ولا أدري ما إذا كان ما اعتقده إيماناً هنا، إيماناً عند الله)) يصدق بأن تكون الإشارة إلى الإيمان بما في القضية الأولى، كأنه قال:

الصفحة 376