كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

يرجى منها النفع، فإنه مع مخالفته لمن هو أعلم منه يعترف بأنفي الأعمال المشروعة اتفاقاً ما هو أعظم أجراً وأكبر فضلاً بدرجات لا تحصى، وقد قال الله تعالى: [فاتقوا الله ما استطعتم]، وفي (الصحيحين) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، فقد إستبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه)) وفي حديث آخر ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)). وفي حديث آخر: ((أنه لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى ما لا بأس به حذراً لما به بأس)).
والنظر الواضح يكشف هذا، فإنك لو كنت مريضاً فاتفق الأطباء على أشياء أنها نافعة لك، واختلفوا في شيء، فقال بعضهم: أنه سم قاتل، وقال بعضهم: لا رناه سماً ولكنه ضار، وقال بعضهم: لا يتبين لنا أنه ضار، وقال بعض هؤلاء: بل لعله لا يخلو من نفع. أفلا يقضي عليك العقل إن كنت عاقلاً بأن تجتنب ذاك الشيء؟
أو ليس من يأمرك ويلح عليك أن تصرف وقتك في تناول ذاك الشيء تاركاً ما اتفقوا على نفعه بحقيق أن تعده ألد أعداؤك؟ وتدبر في نفسك أيصح من عاقل محب الإيمان خائف من الشرك أن يستحضر هذا المعنى ثم يصر على تلك البدع التي يخاف أن تكون شركاً؟!
أو ليس من يصر أنما يشهد على نفسه أنه لا يبالي إذا وافق هواه أن يكون شركاً؟!
المطلب الثالث: الفقهيات، والاختلاف فيها إذا كان سببه غير الهوى أمره قريب، لأنه كما مرت الإشارة إليه لا يؤدي إلى أن يصير المسلمون فرقاً متنازعة وشيعاً متنابذة، ولا إلى إيثار الهوى على الهوى، وتقديم أقوال الأشياخ على حجج الله عز وجل، والالتجاء إلى تحريف معاني النصوص، وإذا كان المسلمون قد وقعوا في ذلك فإنما أوقعهم الهوى، فلا مخلص لهم منه إلا أن يستيقظ أهل العلم لأنفسهم فيناقشوها الحساب، ويكبحونها عن الغي ويتناسوا ما استقر

الصفحة 383