كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

وجاء في حديث أبي داود أن كسوف الشمس لتجلي الله تعالى لها ، وأن الله تعالى إذا تجلى لشيء خضع له . (1)
فتجرأ الغزالي بسبب أنه - كما شهد على نفسه - مزجى البضاعة في الحديث فتجرأ بالقول برد الحديث ، وغلطه الشيخ ابن تيمية فقوى الحديث واعتمده . وحل المسألة عندي مستفيداً من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومجالسة بعض محققي علماء الهند أو الحديث جاء على طريقة الأنبياء من النظر إلى الملكوت في الأسباب والمسببات التي وراء الأسباب الظاهرة المعروفة ، وحينئذ فتفكير الباحثين في أسباب الخسوف والكسوف صحيح ، والحديث على طريقة الأنبياء صحيح ، والعاقل من آمن بها جميعاً .
(4) مسألة كروية الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس . تقطع العلوم الحديثة من فلك وجغرافيا بهذه المسألة قطعاً لا شك فيه عندهم في الكروية وظناً يقرب من اليقين ، مع الإطباق والتطبيق عليه من مسألة الحركة . وظواهر النصوص تخالف ذلك بادي الرأي .
__________
(1) قلت هذا قطعه من خطبته صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف ، والخطبة متواترة عنه صلى الله عليه وسلم رواها عنه نحو عشرين صحابياً ، وأكثرهم له عنه أكثر من طريق واحد ، ولم ترد هذه القطعة إلا من حديث قبيصة بن مخارق أو النعمان بن بشير من رواية أبي قلاية عنه ، وهذا إسناد أعله المحققون من علماء الحديث بالانقطاع ، مثل ابن أبي حاتم البيهقي وغيرهما ، زد على ذلك أن بإسناده ومتنه اضطراباً كثيراً ، لا مجال لبيانه هنا ، ومحلة في رسالتي المؤلفة في (( صفة صلاة الكسوف ، وما رأي صلى الله عليه وسلم فيها من الآيات )) رقم ( 6 ) .
و أيضاً فالتجلي المذكور لم يرد إلا في بعض الطرق عن أبي قلابة ، فإذا ضممنا إلى ذلك عدم ورودها في أحاديث سائر الصحابة العشرين ، فلا ريب بعد ذلك أنه ضعيف منكر للتفرد والمخالفة لرواية التواتر ، وبأقل من ذلك تثبت النكارة ، وتقوية أبن تيمية إنما هو باعتبار ظاهر الرواية عن أبي قلابة عن الصحابي ، ولم يتنبه للانقطاع الذي بينهما ولا الاضطراب الذي ألمحنا إليه .
ثم أن هذه القطعة ليست عند أبي داود ، وإنما هي عند النسائي وعند أبي داود أصل الحديث . فاقتضى التنبيه.ن

الصفحة 390