كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

إزار كافياً له ، وتمكن فاقد النعلين من تقطيع الخفين حتى يصيروا نعلين ؟ قلت : لا يتجه إلزامه ذلك لأنه يكثر أن لا يتمكن الانسان من ذلك ، وإذا تمكن ففيه إفساد للمال ينقص قيمته ومنفعته . هذا وقد صح في الباب حديثان :
الأول حديث ابن عمر في ( الصحيحين ) وغيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عما يلبس المحرم فقال : (( لا بلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ... ... ))ويؤخذ منه من باب أولى الإذن في السراويل لمن لم يجد إزاراً لان الحاجة الى ستر أسفل البدن أشد وكونه مطلوباً شرعاً أظهر ويبقى النظر في القطع فقد يقال كما أمر بقطع أعلى الخفين فكذلك ينبغي قطع ما تحت الركبتين من السراويل وقد يقال إنما يقطع ما تحت أنصاف الساقين لأنما فوق ذلك ألى الركب مشروع ستره أيضاً وان لم يجب بخلاف ستر الكعبين وما فوقهما وقد يقال لا يتعين القطع بل الأولى العطف والثبيت بالخياطة لأن ذلك محصل للمقصود بدون إفساد ، وله كان يتاتى بنحو ذلك في الخفين لقلنا به فيهما أيضاً فأما فتق السراويل ثم تلفيقه بالخياطة حتى يكون ازاراً فقد دل على عدم لزومه إكتفاء الحديث بما اكتفى به في الخفين ولم يشترط تقطيعهما حتى يصيرا نعلين .
الحديث الثاني : الحديث ابن عباس في ( الصحيحين ) وغيرهما (( سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب بعرفات : من لم يجد ازاراً فليلبس سراويل ، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين )) ففي هذا الحديث النص على السراويل والخفين معاً ولم يذكر القطع ، فمن أهل العلم من أخذ به على اطلاقه وقال إنه نسخ للأمر بقطع الخفين لأن حديث أبن عباس، متأخر ومنهم من حمل المطلق على المقيد فقال بقطع الخفين ، فعلى الاول يكون عدم وجوب قطع السراويل اولى ، أما على الثانى فقد يتمسك فيه بالاطلاق ،وقد يقال بل يكون حكمه ما تقدم في الكلام على الحديث الأول . وعلى كل حال فسكوت الحديثين عن ذكر الفدية يدل أنها لاتحب ، وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، والبيان المتقدم في القرآن لم يتعرض لقضية السراويل والخفين لا نصاً ولا تنبيهاً كما تقدم . والله أعلم .

الصفحة 45