كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

فإن غايته ان يقول : لو لم أقرض المائة لعلي كنت أتجرت فيها فربحت ،ولعل المستقرض أتجر فيها فربح . فيقال له هذا لا تحقق له لعلك لو لم تقرضها لسرقت منك ،ولعلك لو أتجرت فيها لخسرت مع ما يلحقك والعناء ،ولعل المستقرض لم يتجر فيها ،ولعله أتجر فخسر أو ذهب منه رأس المال ، فإن ربح فيتبعه . ولتمام هذا موضع ىخر ،وإنما المقصود هنا أن ذكر السدي للربا لا يحتم أنه قائل بالمعنى الأول . وآخر عبارة السدي ظاهر في معنى الثاني وأنه رأى أن الغبن في البيع من الأخذ بالباطل المراد في الاية ولكنه مستثنى استثناء متصلاً على ما هنو الأصل في الاستثناء ،ولنفرض مثالاً يبين ذلك : ثوبان قيمة كل منهما بخسب الزمان والمكان عشرة ،فقد يجهل البائع ذلك ويظن قيمة كل منهما خمسة فقد فيبيعها بعشرة ،وقد يجهل المشترى فيظن قيمة كل منها عشرين فيشتريها بأربعين فمن أخذهما بقيمة أحدهما فقد أخذ أحدهما أو نصفيهما بما لاتحقق له ،ومن باعهما بمثلي قيمتها فقد أخذ نصف الثمن بما لا يحقق له ، هذا باعتبار قيمة الزمان والمكان ،وهو المتعارف بين الناس ، فإن من باع أو اشترى بقيمة الزمان والمكان لا يعده الناس غابناً أو مغبوناً البتة ، ولكنك إذا تعمقت قد تقول : إنما القيمة الحقيقة مقدار ما غرمه البائع على السلعة ، أو مقدار ما ينقصه فقدها ، فيقال لك : هذا بالنظر إلى البائع ، فأما بالنظر إلى المشترى فقيمتهما مقدار ماتنفقه ، وقد يتعارضان ، كمن عنده ماء كثير فباع منه شربة لمضطر ،ويبقى النظر في الثمن ويخفى الأمر ويضطرب وتضيق المعاملة جداً . لا جرم عدل الشرع إلى اعتبار ما تراضي به المتبايعان ، فما تراضيا به فهو القيمة التي يعتد بها الشرع في التجارة ، لكن هذا لا يمنع أن يسمى الغبن أكلاً بالباطل بالنظر إلى التحقق ،وليس من لازم الباطل بهذا المعنى أن يكون محرماً في الشرع ، وفي الحديث : (( كل شيء يلهو به الرجل باطل غلا رمية بقوسة وتأديبة فرسه وملاعبته امراته فإنهن من الحق(1) )) ومعلوم أن فيما يلهو به الرجل غير هذه الثلاث ما هو مباح إجماعاً .
__________
(1) حديث صحيح ، خرجته في (( سلسلة الأحاديث الصحيحة )) رقم (310) . ن

الصفحة 48