كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

فأما ما أكل على وجه مكارم الأخلاق فإنه إذا عمل فيه بالمشروع لم يكن على كلا المعنيين من الأكل بالباطل ، وذلك أن الباذل قد يقصد مكافأة المبذول له على إحسان سابق ،وقد يرجو عوضاً مستقبلاً ،إما مالاً وإما منفعة ،وأقل ذلك الثناء، والأكل في مقابل غحسان سابق أكل بأمر متحقق ،والمشروع للمبذول له على رجاء مستقبل أن يقبل عازماً غعلى المكافأة فيكون بمنزله من يفترض عازماً على لأن يقضى ،وإنما كان بعض الصحابة أولاً يتورعون عن الأكل في بيوت أقاربهم وأصدقائهم خشية أن لا يتيسر لهم المكافأة المرضية . فبين الله تعالى لهم في آية النور أنه لا حرج في الأكل ، يريد والله أعلم مادام ذلك جارياً على المعروف ،والمعروف أن الناس يكرم بعضهم بعضا ويكافئ بعضهم بعضا بالمعروف ، فمن أكل عازماً على المكافأة بحسب ما هو معروف بين أهل المروءت فلم يأكل بما لاتحقق له ، نعم لو فرضنا أن رجلاً غنياً لئيماً اعتادأن يتردد على بيوت أقاربة وأصدقائه ليأكل عندهم غير عازم على المكافأة المعروفة كان هذا والله أعلم داخلاً في الباطل على كلا المعنيين .
وإذا تدبرت علمت أنه على لمعنى الثاني ليس هناك نسخ ،وإنما هو بيان لدفع ما توهمه أولئك المتحرجون ،وقد عرف عن السلف أنهم ربما يطلقون النسخ على مطلق البيان ، فهذا والله أعلم من ذاك . وبهذا كله اندفع مارجح به المعنى الأول وترجح المعنى الثاني فيكون الاستثناء متصلاً كما هو الأصل . والله أعلم .
وقوله تعالى : [ عن تراض ] نص فس اشتراط رضا كلٍ من االمتبايعين ، والرضا معنى خفي ،وسنة الشارع في مثله أن يضبطه بأمر ظاهر منضبط يشتمل على المعنى الذي عليه مدار الحكمة كالرضا ههنا ، فيكون مدار الحكم على ذاك الضابط ههنا ؟
بنى الاستاذ على انه الصيغة أي الايجاب القبول كما في النكاح . وذلك مدفوع بوجهين : الأول : أن الصيغة قد علمت بقوله : (( تجارة )) .
الثاني : أنها ليست بواضحه الدلالة على الرضا إذ تكون عن هزل أو سبق لسان أو استعجال قبل تمكن الرضا من النفس ،ويكثر وقوعه ويتكرر ،ويكثر التغابن لكثرة الجهل بقيمة المثل بخلاف النكاح فإنمه قد لا يقع في العمر لا مرة ، ويحتاط الناس له ما لا

الصفحة 49