كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

يحتاطون للبيع ، والشارع يتشوف إلى تثبيت النكاح ما لا يتشوف إلى تثبيت البيع ، جاء في الحديث : (( أبغض الحلال إلى الله الطلاق(1) )) وجاء فيه : (( من أقال نادماً بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة )) ومبنى البيع على المشاحة ومبنى النكاح على مكارمه ، وأوضح من هذا كله أن في الحديث : (( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة (2) ففرق هذا ثلاثة وبين غيرها كالبيع ، على أن تعين الضابط غنما هو للشارع ، فإذا لم يظهر من الكتاب وجب الرجوع إلى السنة ، فنجدها قد تعيين الضابط التراضي بحصول أحد أمرين بعد الايجاب والقبول ، وأما احتيار اللزوم ،وأما أن يستمرا على ظاهر حالهما من التراضي مدة اجتماعهما ويتفرقا على ذلك ،ولا يخفى على المتدبر أن هذا بغاية المطابعة للحكمة ،أما اختيار اللزوم فواضح أنه بين في استحكام التراضي ،وأما الاستمرار على ظاهر الحال من التراضي والتفرق على ذلك فلأن الغالب أنه إذا كان هناك هزل أوسبق لسان أو استعجال أن يتدار كه صاحبه قبل التفرق ولا سيما إا علم أن التفرق يقطع الخيار . فبان بهذا أن الحديث مفسر للآية التفسير الواضح المطابق للحكمة ، لا مخالف لها كما زعم الكوثري ، وراجع ( تفسير أبن جرير ) . ويؤكد هذا المعنى مافي ( سنن أبي داود ) وغيرهما من حديث عمرو بن شعيب عت أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً : (( المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، إلا أن تكون الصفقة خيار ولا يحل له ان يفارق5 صاحبه خشية أن يستقيله )) .
والمراد والله أعلم انه لا يحل لأحد هما أن يستغفل صاحبه فبفارقه وهو لا يشعر إذ قد لا يكون استحكم رضاه وكان يريد الفسخ إلا أنه أمهل اعتماداً على أن ذلك لا يفوت ، حتى لو رآه يريد المفارقة لبادر بالفسخ . فأما ما جاء عن ابن عمر أنه كان إذا اشترى شيئاًُ يعجبه فارق صاحبه ، فمحمول على مبادرته بالمفارق وصاحبه يراه ، أو لا يكون وقف على هذه الزيادة ، وقوله : (0 حتى يستقله )) ، لا يدل على الزوم العقد ، فإن الاستقاله بعد الزوم العقد لا تمنع فيها المفارقة . إذا قد يستقله بعد أن يفارقه ويمضي زمان، وإنما المراد والله أعلم أن صاحبه قد يندم
__________
(1) في إسناده مقال ذكرته في (( الارواء)) . والحديث الذي بعده صحيح مخرج هناك . ن
(2) حديث حسن بمجموع طرقه ، وقد خرجتها في المصدر السابق . ن

الصفحة 50