كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

لايدركها الظرف والتي تعم بها البلوى وميتة ما لا دم له سائل، وتفصيل ذلك في كتب الفقه.ثم المشهور في التقدير أن ما بلغ قلتين فهو كثير وما دون ذلك فهو قليل جاء في هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث القلتين،وروي من قول عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأبي هريرة، ومن قول مجاهد وغيره من التابعين،وأخذ به نصاً عبيد الله بن عبد الله بن عمر وبعض فقهاء مكة،والظاهر أن كل من روى الحديث من الصحابة فمن بعدهم يأخذ به، ولا يُعدل عن هذا الظاهر إلا بإثبات خلافة،ولم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تقديره آخر،فأما من بعده فرويت أقوال:
أولها عن ابن عباس ذكر ذنوبين،وفي سنده ضعف،ولو صح لما تحتمت مخالفة للقلتين فإن ابن عباس معروف بالميل إلى التيسير والتوسعة فلعله حمل القلتين على الإطلاق فرأى أنه يصدق بالقلتين الصغيرتين اللتين تسع كل منها ذنوباً فقط.
ثانيها عن سعيد بن جبير ذكر ثلاث قلال،وسعيد كان بالعراق فكأنه رأى قلال العراق تعادل قلتين اللتين تسع كل منها ذنوباً فقط.
ثالثاً: عن مسروق قال: ((إذا بلغ الماء كذا لم ينجسه شيء)) ونحوه عن ابن سيرين وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود،وهؤلاء عراقيون فإما أن يكونوا ا لم يحققوا مقدار القلتين في الحديث بقلال العراق فأجمعوا،وإما أن يكونوا كل منهم أشاره إلى ماء معّين فأراد بقوله:
((كذا)) أي بمقدار هذا الماء المشار إليه،وقد ثبت بقولهم أنهم يرون التقدير، لأن يحمل ذلك على التقدير المنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى من أن يحمل على تقدير لا يعلم له مستند من الشرع.
رابعها: عن عبد الله بن عمرو بن العاص ذكر أربعين قلة،وروي مثله من وجه ضعيف عن أبي هريرة، وقيل عنه أربعين غرباً،وقيل، أربعين دلواً. وهذا القول يحتمل معنيين، الأول معنى المعروف لحديث القلتين،والمعنى الثاني أن ما بلغ أربعين لا ينجس البتة، إلا مخالطة نجاسة لا تغير أحد أوصافه، لأنه قلتان وأكثر، ولا بمخالطة نجاسة تغير أحد أوصافه لأن ذلك لا يقع عادة، إذ لا يعرف في ذاك العصر ببلاد العرب ماء يبلغ أربعين أو

الصفحة 6