كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

توثيق المجاهيل وإن كانوا مقلين إذا لم ير في حديثهم ما ينكره، وقد شرحت ذلك في الأمر الثامن من القاعدة السادسة من قسم القواعد. ولو رأوا أن معنى هذا الحديث ما يزعمه الحنفية لما أثنوا على عقبة، بل لعلهم يجرحونه بمقتضى قاعدتهم في جرح المتفرد بالمنكر،ولا سيما إذا كان مقلاً غير مشهور. والحنفية يردون الأحاديث الصحيحة الصريحة التي لا مطعن في أسانيدها البتة بدعوى مخالفتها للقرآن حيث لا مخالفة كما مر في المسألة السابعة،وكما يأتي في مسألة الخامسة عشرة، فكيف يسوغ لهم أن يتشبثوا بهذا الحديث مع ما في سنده من الاختلال ومع وضوح مخالفة معناه الذي يعتمدونه للقرآن. فإن قيل: وهل يحتمل معنى آخر؟ قلت نعم، وبيان ذلك أن من القتل ما يتبين فيه أن القاتل قصد القتل، كالصور التي تقدم التمثيل بها من فضح الرأس وما معه ونحو ذلك وما يقرب منه. ومنه ما يتردد فيه أقصد أم لم يقصد كمن ضرب رجلاً ضربات يسيره بسوط أو عصا كبيرة فضرب رأسه فقتله. ومنه ما يتبين أنه لم يقصد كمن ضرب رجلاً ضربات يسيره بسوط أو عصا خفيفة فمات فهذه ثلاثة أضرب وقوله في أول الحديث: ((ألا إن دية الخطأ شبه العمد)) مُخْرجٌ للضرب الأول حتماً لأنه عمد محض لا يعقل أن يسمى خطأ شبه عمد، فبقى الأ خيران والظاهر أنه شامل لهما. أما الثالث فواضح وأما الثاني فلأنه إذا لم يتبين قصد القتل فالأصل عدمه. فقوله بعد ذلك: ((ما كان بالسوط والعصا)) حقه أن يكون تقيداً ليخرج من الضرب الثاني ما كان بسلاح لأن استعمال السلاح يدل على قصد القتل،وإن كانت قد تدافعه قرينة أخرى فيقع التردد،ومن الحكمة في ذلك زجر الناس عن استعمال السلاح حيث لا يحل لهم القتل، وفي (صحيح مسلم) من حديث أبي هريرة ((قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يشتر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار)). وفيه من حديثه أيضاً ((من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأُمه)). وفي (المستدرك) ج4 ص290 من حديث جابر قال: ((نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتعاطى السيف مسلولاً)) ومن الحديث أبي بكرة قال: ((مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يتعاطون سيفاً مسلولاً، فقال رسول ألله - صلى الله عليه وسلم -: لعن الله من فعل هذا، أو ليس قد نهيت عن هذا؟ إذا سل أحدكم سيفاً ينظر إليه فأراد أن

الصفحة 80