كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

يناوله أخاه فليغمده ثم ليناوله إياه )) وعلى ذاك المعنى فكلمة (( ما)) من قوله : (( ما كان بالسوط والعصا )) إما موصولة بدل بعض من (( الخطأ شبه العمد )) وإما مصدرية زمانية ، أي : وقت كونه بالسيف والعصا ، كما قيل بكل من الوجهين فيما قصة الله تعالى عن شعيب : [ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ] . هود : 88 .
ويؤيد ذلك أن في بعض الروايات عند النسائي وغيره منها رواية أيوب عن القاسم ورواية هشيم عن خالد الحذاء عن القاسم (( .... الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا ...)) ليس فيه (( ما كان )) والتقييد في هذا ظاهر . على أن الشارع وإن قضى بأنه إذا كان القتل بسلاح ونحوه عمد حيث يتردد في القصد فإنه يبالغ في حض ولي الدم على أن لا يقتص . أخرج أبو داود في ( السنن ) من حديث أبي هريرة قال : (( قتل الرجل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فدفعه إلى ولي المقتول ، فقال القاتل : يا رسول الله والله ما أردت قتله ، قال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للولي : أما إنه إن كان صادقاً ثم قتلته لتدخلن النار . قال : فخلى سبيله )) ثم أخرجه من حديث وائل بن حجر وفيه (( قال كيف قتلته ؟ قال ضربت رأسه بالفأس ولم أرد قتله .... قال للرجل : خذه فخرج به ليقتله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما إنه إن قتله كان مثله ....)) وحديث وائل في ( صحيح مسلم ) وفيه (( كيف قتلته . قال : كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته ......)) وفي رواية (( فلما أدبر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : القاتل والمقتول في النار....)) وتأوله بعضهم على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان سأل الولي أن يعفو فأبى . وهذا ضعيف من وجهين : الأول : انه ليس في القصة من الأمر بالعفو إلا بالعفو إلا ماوقع من بيان الإثم أو ما بعده . الثاني : أنه ليس من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر أحداً بترك حقه أمراً جازماً يأثم المأمور إن لم يمتثله وقد رغب - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بريرة لما عتق أن لا تفسح نكاح زوجها فقالت : أتأمرني يا رسول الله ؟ قال : لا ، وإنما أنا أشفع . قالت : فلا حاجة لي فيه . ولم يعقب هو بأبي وأُمي ولا أحد من أصحابه على بريرة . فالصواب ما دل عليه حديث أبي هريرة أن إثم الولي إن قتل إنما هو مبني على قول القاتل : لم أرد قتله . مع قوة احتمال صدقه . وقد ذكر

الصفحة 81