كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

ومن عادتهما التحرز عما يخشى فيه التدليس فسماع هشام لهذا الحديث من جده أنس بن مالك ثابت على كل حال. وأما أبو قلابة فهو عبد الله بن زيد الجرمي وقد قال فيه أبو حاتم : (( لا يعرف له التدليس )) وذكر ابن حجر في ترجمة من ( التهذيب ) ما يعلم منه أن معنى ذلك أن أبا قلابة لا يروى عمن قد سمع منه إلا ما سمعه منه . وقد ثبت سماعه من أنس كما في قصة العرنيين وغيرهما وحديثه في ( الصحيح ) أيضا ، فالحكم في حديثه هذا أنه سمعه من أنس.
أما قتادة فمدلس لكنه قد صرح بالسماع . قال البخاري في ( الصحيح ) في (( باب إذا أقر بالقتل مرة قتل به )) : حدثني إسحاق أخبرنا حيان حدثنا همام حدثنا قتادة حدثنا أنس أبن مالك أن يهودياً رض رأس جارية بين حجرين ..... فجئ باليهودي فأعترف ، فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض رأسه بالحجارة )) . وقد قال همام : - (( بحجرين )) وفي ((مسند أحمد )) 36 ص269 : (( ثنا عفان قال ثنا همام قال : أنا قتادة أن أنساً أخبره ... فأخذ اليهودي فجيء به فاعترف )) وتمام الكلام في ( الطليعة ) ص 101-103 وترجمة أنس من قسم التراجم ، وفي مقدمة ( التنكيل ) أوائل الفصل الثالث وفي أثناء الفصل الخامس .
قال الأستاذ : (( ومن رأية ( يعني أبا حنيفة ) أيضاً أن القود بالسيف فقط تحقيقاً لعدم الخروج عن المماثلة المنصوص عليها في الكتاب )) !
أقول : الخروج عن المماثلة كمل يكون بالعدوان ، فكذلك يكون بالنقصان ، وكما أن العدل يقتضي منع الولي من الأعتداء فكذلك يقتضي تمكينه من الاستيفاء ، ومن قتل إنساناً ظلماً برضخ رأسه بالحجارة فالقصاص أن يقتل مثل تلك القتلة ، فإن قيل : ربما يقع في هذا زيادة فخفيفة غير مقصودة ولا محققة ولا مانعة من أن يقال : إنه قتل مثل قتلته ، وفي تمكين الولي من ذلك شفاء لغيظة ، وتطييب لنفسه ، وزجر للناس ، وردع عم الجمع بين القتل ظلماً وإساءة القتلة ، وقد شرع الله تبارك وتعالى رجم الزاني المحصن إبلاغاً في الزجر ، والقتل ظلماً أشد من الزنا . نعم قال الله تبارك وتعالى [ وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله ] وكما أن العفو قد يكون بترك المجازاة البتة فقد يكون بتخفيفها فغاية الأمر أن يكون الاقتصاص بضرب العنق أولى ، وعلى هذا يحمل ما ورد في ذلك على ذلك على ضعفه ومعارضة غيره له . والله الموفق .

الصفحة 89