كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

وأقول : أما ما ذكر عن إبراهيم ، فقوله : (( قتل )) لا أدري أبا لبناء للفاعل أم المفعول، فإن كان للمفعول وهو الظاهر فهو نص في خلاف قول أبي حنيفة . فإن قيل : رواية أبي حنيفة له تدل على أنه عنده بالبناء للفاعل ، قلنا : بل رواية أبي يوسف له تدل أنه عنده بالبناء للمفعول ،والحق اطراح هذين فإن إبراهيم تابعي ،والعالم كأبي حنيفة وأبي يوسف قد يروي من أقوال التابعين ما لا يقول به ، لكن إذا ثبت أن المعروف في اللغة عقلت القتيل . دون : عقلت القائل . تبين أن الفعل في قول إبراهيم مبني للمفعول وهو الظاهر .
وأما الأثر عن أبن عباس فليس من الواجب مطابقته لما روي عن غيره ، بل هي خمس مسائل اتفق القولان على ثلاث ، وانفرد كل منها بواحدة ، ويتعين الجزم بهذا إذا كان المعروف في اللغة : عقلت القتيل ، لا عقلت القائل . فتبين أن المدار على اللغة .
فأما ما ذكره صاحب ( العناية ) فليس بشيء ، بل المعنى لا تعقل العاقلة دية عمد ولا قيمة عبد ولا واجب صلح ولا واجب اعتراف . وأما تحقيق الأستاذ فيقال له : العبارة التي زعمت أنها الأصل وهي (( عقل فلان قوائم الإبل ليدفعها دية عن فلان )) إنما تعطي بمقتضى العربية أن فلاناً الثاني هو القاتل فإننا نقول : (( دفعت عن فلان الدين الذي عليه ، وأديت عنه الدية التي لزمته )) ويصح أن يقال بهذا المعنى : (( وديت عنه )) أي : أديت عنه الدية التي لزمته ، فأما المقتول فإنما يقال : (( وديته )) وقد يقال : هذه دية من القتيل أي بدل عنه قال الشاعر :
عقلنا لها من زوجها عدد الحصى
قال ابن قتيببة في ( كتاب المعاني ) : (( يقول قتلنا زوجها فلم تجعل عقلة إلا همها ..... والمفعول يولع بلقط الحصى وعدة )) و(( من)) هذه هي البدلية متلها في قةله تعالى : [ٌ أرضيتم بالحياة الدينا من الآخرة ] وفي صغار كتب العربية أن (( عن)) للمجاوزة ، وإذا أديت الدية فإنما جعلتهال تجاوز ذمة القاتل كما تقول : اديت عن فلان الدين الذي كان عليه ،ولا معنى لمجاوزنها المقتول .
وبعد فلا ريب أن الأصل (( عقلت قوائم الإبل ، لكن استغنوا عن القوائم على كل حال فقالوا : (( اعقل ناقتك )) ثم كثر عقل الإبل في الدية فاستغنوا في ذكر الدية عن لفظ الإبل ،

الصفحة 92