كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر (اسم الجزء: 2)

وَكَانَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ ثَلَاثَةُ أَلْوِيَةٍ: لِوَاءٌ مَعَ أَبِي عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَلِوَاءٌ مَعَ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَلِوَاءٌ مَعَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكُلُّهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم أَدْنَى بَدْرٍ عِشَاءَ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَبَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَبَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو يَتَحَسَّسُونَ خَبَرَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمَاءِ، فَوَجَدُوا رَوَايَا قُرَيْشٍ فِيهَا سُقَّاؤُهُمْ فَأَخَذُوهُمْ. وَبَلَغَ قُرَيْشاً خَبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ سُقَّاؤُهُمْ، فَمَاجَ الْعَسْكَرُ وَأُتِيَ بِالسُّقَّاءِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَيْنَ قُرَيْشٌ» ، فَقَالُوا: خَلْفَ هَذَا الْكَثِيبِ الَّذِي تَرَى، قَالَ: «كَمْ هُمْ؟» ، قَالُوا: كَثِيرٌ، قَالَ: «كَمْ عَدَدُهُمْ؟» ، قَالُوا: لَا نَدْرِي، قَالَ: «كَمْ يَنْحَرُونَ؟» ، قَالُوا: يَوْمًا عَشْرًا، وَيَوْمًا تِسْعًا، فَقَالَ صلّى الله عليه وسلم: «الْقَوْمُ مَا بَيْنَ الْأَلْفِ وَالتِّسْعِمِائَةِ» ، فَكَانُوا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ إِنْسَانًا، وَكَانَتْ خَيْلُهُمْ مِائَةُ فَرَسٍ وَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْمَكَانَ الَّذِي أَنْتَ بِهِ لَيْسَ بِمَنْزِلٍ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أَدْنَى مَاءٍ إِلَى الْقَوْمِ فَإِنِّي عَالِمٌ بِهَا وَبِقُلُبِهَا بِهَا قَلِيبٌ قَدْ عَرَفْتُ عُذُوبَةَ مَائِهِ لَا يُنْزَحُ، ثُمَّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَشْرَبُ وَنُقَاتِلُ وَنُعَوِّرُ مَا سِوَاهُ مِنَ الْقُلُبِ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فَقَالَ الرَّأْي مَا أَشَارَ بِهِ الْحُبَابُ، فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فَفَعَلَ ذَلِكَ فَكَانَ الْوَادِي دَهْسًا فَبَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى السَّمَاءَ، فَلَبَّدَتِ الْوَادِيَ وَلَمْ يَمْنَعِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَسِيرِ، وَأَصَابَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْمَطَرِ مَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَرْتَحِلُوا مَعَهُ وَإِنَّمَا بَيْنَهُمْ قَوْزٌ مِنَ الرَّمْلِ وَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ النُّعَاسُ، وَبُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم عَرِيشٌ مِنْ جَرِيدٍ فَدَخَلَهُ النَّبِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ مُتَوَشِّحًا بِالسَّيْفِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ صَفَّ أَصْحَابَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ قُرَيْشٌ وَطَلَعَتْ قُرَيْشٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم يُصَفِّفُ أَصْحَابَهُ، وَيُعَدِّلُهُمْ كَأَنَّمَا يُقَوِّمُ بِهِمُ الْقَدَحَ، وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ قَدَحٌ يُشِيرُ بِهِ إِلَى هَذَا تَقَدَّمْ وَإِلَى هَذَا تَأَخَّرْ حَتَّى اسْتَوَوْا، وَجَاءَتْ

الصفحة 15