كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر (اسم الجزء: 2)

اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا شَاعِرًا يَهْجُو النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِمْ وَيُؤْذِيهِمْ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ كُبِتَ وَذُلَّ وَقَالَ: بَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا الْيَوْمَ، فَخَرَجَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَبَكَى قَتْلَى قُرَيْشٍ وَحَرَّضَهُمْ بِالشِّعْرِ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اكْفِنِي ابْنَ الْأَشْرَفِ بِمَا شِئْتَ فِي إِعْلَانِهِ الشَّرَّ وَقَوْلِهِ الْأَشْعَارَ» ، وَقَالَ أَيْضًا: " مَنْ لِي بِابْنِ الْأَشْرَفِ فَقَدْ آذَانِي؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أَقْتُلُهُ، فَقَالَ: «افْعَلْ وَشَاوِرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي أَمْرِهِ» وَاجْتَمَعَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَنَفَرٌ مِنَ الْأَوْسِ مِنْهُمْ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وَأَبُو نَائِلَةَ سِلْكَانُ بْنُ سَلَامَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ نَقْتُلُهُ فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَقُلْ، فَقَالَ: «قُولُوا» وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ أَخَا كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ، فَأَنْكَرَهُ كَعْبٌ وَذُعِرَ مِنْهُ، فَقَالَ: أَنَا أَبُو نَائِلَةَ إِنَّمَا جِئْتُ أُخْبِرُكَ أَنَّ قُدُومَ هَذَا الرَّجُلِ كَانَ عَلَيْنَا مِنَ الْبَلَاءِ، حَارَبَتْنَا الْعَرَبُ وَرَمَتْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَنَحْنُ نُرِيدُ التَّنَحِّيَ مِنْهُ وَمَعِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي عَلَى مِثْلِ رَأْيِي وَقَدُ أَرَدْتُ أَنْ آتِيَكَ بِهِمْ فَنَبْتَاعَ مِنْكَ طَعَامًا وَتَمْرًا وَنَرْهَنَكَ مَا يَكُونُ لَكَ فِيهِ ثِقَةٌ، فَسَكَنَ إِلَى قَوْلِهِ وَقَالَ: جِئْ بِهِمْ مَتَى شِئْتَ. فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى مِيعَادٍ فَأَتَى أَصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُمْ فَأَجْمَعُوا أَمَرَهُمْ عَلَى أَنْ يَأْتُوهُ إِذَا أَمْسَى، ثُمَّ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ فَمَشَى مَعَهُمْ حَتَّى أَتَى الْبَقِيعَ ثُمَّ وَجَّهَهُمْ، وَقَالَ: «امْضُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ» ، قَالَ: وَفِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَمَضَوْا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى حِصْنِهِ فَهَتَفَ لَهُ أَبُو نَائِلَةَ فَوَثَبَ فَأَخَذْتِ امْرَأَتُهُ بِمِلْحَفَتِهِ وَقَالَتْ: أَيْنَ تَذْهَبْ؟ إِنَّكَ رَجُلٌ مُحَارِبٌ وَكَانَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قَالَ: مِيعَادٌ عَلَيَّ وَإِنَّمَا هُوَ أَخِي أَبُو نَائِلَةَ وَضَرَبَ بِيَدِهِ الْمِلْحَفَةَ، وَقَالَ: لَوْ دُعِيَ الْفَتَى لِطَعْنَةٍ أَجَابَ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَيْهِمْ فَحَادَثُوهُ سَاعَةً حَتَّى انْبَسَطَ إِلَيْهِمْ وَأَنِسَ بِهِمْ ثُمَّ أَدْخَلَ أَبُو نَائِلَةَ يَدَهُ فِي شَعْرِهِ وَأَخَذَ بِقُرُونِ رَأْسِهِ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: اقْتُلُوا عَدُوَّ اللَّهِ فَضَرَبُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ فَالْتَفَّتْ عَلَيْهِ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا وَرَدَّ بَعْضُهَا

الصفحة 32