كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر (اسم الجزء: 2)

فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ وَكَأَنَّ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ قَدِ انْفَصَمَ مِنْ عِنْدِ ظُبَتِهِ، وَكَأَنَّ بَقَرًا تُذَبَّحُ وَكَأَنَّهُ مُرْدِفٌ كَبْشًا فَأَخْبَرَ بِهَا أَصْحَابَهُ، وَأَوَّلَهَا فَقَالَ: أَمَّا الدِّرْعُ الْحَصِينَةُ فَالْمَدِينَةُ، وَأَمَّا انْفِصَامُ سَيْفِي فَمُصِيبَةٌ فِي نَفْسِي، وَأَمَّا الْبَقَرُ الْمَذَبَّحُ فَقَتْلٌ فِي أَصْحَابِي، وَأَمَّا مُرْدِفٌ كَبْشًا فَكَبْشُ الْكَتِيبَةِ يَقْتُلُهُ اللَّهُ إِنَّ شَاءَ اللَّهُ، فَكَانَ رَأْي رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ لِهَذِهِ الرُّؤْيَا، فَأَحَبَّ أَنْ يُوَافَقَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فِي الْخُرُوجِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَنْ لَا يَخْرُجَ وَكَانَ ذَلِكَ رَأْي الْأَكَابِرِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: «امْكُثُوا فِي الْمَدِينَةِ وَاجْعَلُوا النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ فِي الْآطَامِ» . فَقَالَ فَتَيَانٌ أَحْدَاثٌ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا فَطَلَبُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم الْخُرُوجَ إِلَى عَدُوِّهِمْ وَرَغِبُوا فِي الشَّهَادَةِ، وَقَالُوا: اخْرُجْ بِنَا إِلَى عَدُوِّنَا، فَغَلَبَ عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي يُرِيدُونَ الْخُرُوجَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ ثُمَّ وَعَظَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِالْجِدِّ وَالْجِهَادِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ لَهُمُ النَّصْرَ مَا صَبَرُوا وَأَمَرَهُمْ بِالتَّهَيُّؤِ لِعَدُوِّهِمْ فَفَرِحَ النَّاسُ بِالشُّخُوصِ، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ الْعَصْرَ وَقَدْ حُشِدُوا وَحَضَرَ أَهْلُ الْعَوَالِي ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم بَيْتَهُ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَعَمَّمَاهُ وَلَبَّسَاهُ، وَصَفَّ النَّاسَ لَهُ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ، فَقَالَ لَهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: اسْتَكْرَهْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم عَلَى الْخُرُوجِ، وَالْأَمْرُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ فَرَدُّوا الْأَمْرَ إِلَيْهِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم قَدْ لَبِسَ لَأْمَتَهُ وَأَظْهَرَ الدِّرْعَ وَحَزَّمَ وَسَطَهَا بِمِنْطَقَةٍ مِنْ أَدَمٍ مِنْ حَمَائِلِ السَّيْفِ، وَاعْتَمَّ وَتَقَلَّدَ السَّيْفَ وَأَلْقَى التُّرْسَ فِي ظَهْرِهِ فَنَدِمُوا جَمِيعًا عَلَى مَا صَنَعُوا، وَقَالُوا: مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُخَالِفَكَ فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: «لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ فَانْظُرُوا مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوهُ وَامْضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ فَلَكُمُ النَّصْرُ مَا صَبَرْتُمْ» ثُمَّ دَعَا بِثَلَاثَةِ أَرْمَاحٍ، فَعَقَدَ ثَلَاثَةَ أَلْوِيَةٍ فَدَفَعَ لِوَاءَ

الصفحة 38