كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر (اسم الجزء: 2)

جُبَيْرٍ وَأَوْعَزَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: قُومُوا عَلَى مَصَافِّكُمْ هَذِهِ فَاحْمُوا ظُهُورَنَا فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا فَلَا تَشْرَكُونَا وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلَا تَنْصُرُونَا، وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ صَفُّوا صُفُوفَهُمْ وَاسْتَعْمَلُوا عَلَى الْمَيْمَنَةِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَلَهُمْ مُجَنَّبَتَانِ مِائَتَا فَرَسٍ وَجَعَلُوا عَلَى الْخَيْلِ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَيُقَالُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعَلَى الرُّمَاةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَكَانُوا مِائَةَ رَامٍ، وَدَفَعُوا اللِّوَاءَ إِلَى طَلْحَةَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ وَاسْمُ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ. وَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: «مَنْ يَحْمِلُ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ؟» ، قِيلَ عَبْدُ الدَّارِ، قَالَ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ مِنْهُمْ، أَيْنَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ؟» ، قَالَ: هَأَنَذَا قَالَ: «خُذِ اللِّوَاءَ» ، فَأَخَذَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فَتَقَدَّمَ بِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَنْشَبَ الْحَرْبَ بَيْنَهُمْ أَبُو عَامِرٍ الْفَاسِقُ، طَلَعَ فِي خَمْسِينَ مِنْ قَومِهِ فَنَادَى: أَنَا أَبُو عَامِر، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لَا مَرْحَبًا بِكَ وَلَا أَهْلًا يَا فَاسِقُ، قَالَ: لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرٌّ وَمَعَهُ عَبِيدُ قُرَيْشٍ، فَتَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ حَتَّى وَلَّى أَبُو عَامِرٍ وَأَصْحَابُهُ، وَجَعَلَ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ يَضْرِبْنَ بِالْأَكْبَارِ وَالدُّفُوفِ وَالْغَرَابِيلِ وَيُحَرِّضْنَ وَيُذَكِّرْنَهُمْ قَتْلَى بَدْرٍ وَيَقُلْنَ:
[البحر الرجز]
نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ ... نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ
إِنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ ... أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ
فِرَاقَ غَيْرِ وَامِقْ
قَالَ: وَدَنَا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَالرُّمَاةُ يَرْشُقُونَ خَيْلَ الْمُشْرِكِينَ بِالنَّبْلِ فَتَوَلَّى هَوَازِنُ، فَصَاحَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ صَاحِبُ اللِّوَاءِ مَنْ يُبَارِزُ فَبَرَزَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَالْتَقَيَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَبَدَرَهُ عَلِيٌّ فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى فَلَقَ هَامَتَهُ فَوَقَعَ، وَهُوَ كَبْشُ الْكَتِيبَةِ فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم بِذَلِكَ وَأَظْهَرَ التَّكْبِيرَ وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ وَشَدُّوا عَلَى كَتَائِبِ

الصفحة 40