كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر (اسم الجزء: 2)

صلّى الله عليه وسلم عَلَى عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَصْحَابِهِ وَجْدًا شَدِيدًا، فَأَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الشَّأَمَ وَعَسْكَرَ لِغُرَّةِ هِلَالِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ وَمَعَهُمْ عِشْرُونَ فَرَسًا، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ ثُمَّ أَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَطْنِ غُرَّانَ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ عُسْفَانَ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ حَيْثُ كَانَ مُصَابُ أَصْحَابِهِ، فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمْ وَدَعَا لَهُمْ فَسَمِعَتْ بِهِمْ بَنُو لِحْيَانَ فَهَرَبُوا فِي رُؤُوسِ الْجِبَالِ فَلَمْ يَقْدِرْ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ، فَأَقَامَ يَوْمَاً أَوْ يَوْمَيْنِ فَبَعَثَ الْسَّرَايَا فِي كِلِّ نَاحِيَةٍ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَحَدٍ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى عُسْفَانَ فَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ فِي عَشَرَةِ فَوَارِسَ لِتَسْمَعَ بِهِ قُرَيْشٌ فَيُذْعِرَهُمْ، فَأَتَوْا الْغَمِيمَ ثُمَّ رَجَعُوا وَلَمْ يَلْقَوْا أَحَدًا، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: «آئِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» وَغَابَ عَنِ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم خَرَجَ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الشَّأَمْ لَيُصِيبَ مِنْهُمْ غِرَّةً، فَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فَسَلَكَ عَلَى غُرَابٍ ثُمَّ عَلَى مَخِيضٍ ثُمَّ عَلَى الْبَتْرَاءِ ثُمَّ صَفَّقَ ذَاتَ الْيَسَارِ، فَخَرَجَ عَلَى بَيْبَنَ ثُمَّ عَلَى صُخَيْرَاتِ الثُّمَامِ ثُمَّ اسْتَقَامَ بِهِ الطَّرِيقُ عَلَى السَّيَّالَةِ، فَأَغَذَّ السَّيْرَ سَرِيعًا حَتَّى نَزَلَ عَلَى غُرَّانَ، هَكَذَا قَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ، وَهِيَ مَنَازِلُ بَنِي لِحْيَانَ فَوَجَدَهُمْ قَدْ تَمَنَّعُوا فِي رُؤُوسِ الْجِبَالِ، فَلَمَّا أَخْطَأَهُ مِنْ عَدُوِّهِ مَا أَرَادَ قَالُوا: لَوْ أَنَا هَبَطْنَا عُسْفَانَ فَنُرِيَ أَهْلَ مَكَّةَ أَنَا قَدْ جِئْنَاهَا، فَخَرَجَ فِي مِائَتَيْ رَاكِبٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى نَزَلَ عُسْفَانَ ثُمَّ بَعَثَ فَارِسَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى بَلَغَا كُرَاعَ الْغَمِيمِ ثُمَّ كَرَّا وَرَاحَ قَافِلًا؛ فَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم يَقُولُ: «§تَائِبُونَ آئِبُونَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، حَامِدُونَ لِرَبِّنَا عَابِدُونَ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ»
أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى -[80]- الله عليه وسلم بَعْثًا إِلَى بَنِي لِحْيَانَ مِنْ هُذَيْلٍ وَقَالَ: «§لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا»

الصفحة 79