كتاب طبقات الحنابلة - لابن أبي يعلى - ت الفقي (اسم الجزء: 2)

قرأت فِي كتاب الخطيب بإسناده قَالَ: أَبُو علي إسماعيل بْن القاسم القالي كَانَ أَبُو بكر بْن الأنباري يحفظ فِيمَا ذكر ثلاثمائة ألف بيت شاهد فِي القرآن.
وَقَالَ حمزة بْن طاهر الدفاق: كَانَ أَبُو بكر بْن الأنباري عَلَى كتبه المصنفة ومجالسه المشتملة عَلَى الحديث والأخبار والتفاسير والأشعار كل ذَلِكَ من حفظه.
قَالَ حمزة: وَحَدَّثَنِي أَبِي عن جدي أن أبا بكر بْن الأنباري مرض فدخل عَلَيْهِ أصحابه يعودونه فرأوا من انزعاج ابنه وقلقله عَلَيْهِ أمرا عظيما فطيبوا نفسه ورجوه عافية أَبِي بكر فَقَالَ لهم: كيف لا أقلق وأنزعج لعلة من يحفظ جميع ما ترون وأشار لهم إلى خيبري مملوءا كتبا.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن جَعْفَر التميمي النحوي: قَالَ أَبُو الحسن العروضي: اجتمعت أنا وأبو بكر بْن الأنباري عند الراضي عَلَى الطعام وَكَانَ قد عرف الطباخ ما يأكل أَبُو بكر فكان يسوي لَهُ قلية يابسة قَالَ فأكلنا نحن من ألوان الطعام وأطايبه وهو يعالج تلك القلية ثُمَّ فرغنا وأتينا بحلواء فلم يأكل منها شيئا وقام وقمنا إلى الحيس وقمنا نحن إلى حيس ماء فشربه ولم يشرب ماء إلى العصر فلما كَانَ من العصر قَالَ للغلام الوظيفة فجاءه بماء من الحب وترك الماء المزمل بالثلج فغاظني أمره فصحت صيحة فأمر أمير المؤمنين بأحضاري وَقَالَ: ما قصتك؟ فأخبرته وقلت: هَذَا يا أمير المؤمنين يحتاج أن يحال بينه وبين تدبير نفسه لأنه يقتلها لا يحسن عشرتها قَالَ: فضحك وَقَالَ لَهُ فِي هَذَا لذة وقد جرت به العادة فصار إلفا فلن يضره ثُمَّ قُلْتُ: يا أبا بكر لم تفعل هَذَا بْنفسك؟ فَقَالَ أبقي عَلَى حفظي فقلت لَهُ: قد أكثر الناس فِي حفظك فكم تحفظ؟ قَالَ: أحفظ ثلاثة عشر صندوقا.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن جَعْفَر التميمي النحوي: وهذا ما لا يحفظ لأحد قبله ولا بعده وَكَانَ أحفظ الناس للغة ونحو وشعر وتفسير وقرآن فحدثت أنه كَانَ يحفظ عشرين ومائة تفسير من تفاسير القرآن بأسانيدها.

الصفحة 70