كتاب توصيف الأقضية في الشريعة الإسلامية (اسم الجزء: 2)
الفاسق، فلا يجوز رده مطلقًا، بل يتثبت فيه حتى يتبين: هل هو صادق أَوْ كاذب؟ فإن كان صادقًا قُبِلَ قوله وعمل به، وفسقه عليه، وإن كان كاذبًا رُدَّ خبره، ولم يلتفت إليه" (¬1)، وسر المسألة: أَنَّ مدار قبول الشهادة وردها على غلبة ظن الصدق وعدمه، وهذا لا يكون إلَّا بعد اجتهاد القاضي في ذلك.
3 - عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب، فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنَّما ذهب بابنك أنت، وقالت الأخرى: إنَّما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود -عليهما السلام - فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى لا تفعل- يرحمك الله- هو ابنها فقضى به للصغرى" (¬2).
فقد قَدَّم سليمان هنا القرينة الحالية- وهي شفقة الصغرى على الابن-، قدمها على اعترافها بالابن للكبرى، وقضى به للصغرى، قال ابن القَيِّمِ: "فأي شيء أحسن من اعتبار هذه القرينة الظاهرة، فاستدل برضا الكبرى بذلك، وأَنَّها قصدت الاسترواح إلى التأسي بمساواة الصغرى في فَقْد ولدها، وبشفقة الصغرى عليه وامتناعها من
¬__________
(¬1) الطرق الحكمية 235.
(¬2) متفق عليه واللفظ لمسلم، فقد رواه البخاري (الفتح 12/ 55)، وهو برقم 6769، ومسلم (3/ 1344)، وهو برقم 1720.