كتاب توصيف الأقضية في الشريعة الإسلامية (اسم الجزء: 2)

أوصافها عمل لا يسوغ للقاضي تركه؛ لأَنَّه لا يتمكن من تَوْصِيف الوقائع القضائية والحكم فيها إلَّا به، يقول ابن القَيَّمِ: "لا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلَّا بنوعين من الفهم؛ أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علمًا، والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو حكم الله الذي حكم به في كتابه أَوْ على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر" (¬1).
وبالفهم ودقة الاستنباط يتوصل القاضي إلى حل ما أشكل، وفك ما أعضل، وبه فاق بعض القضاة بعضًا في استخراج الحق، وإيصاله لأصحابه، يقول ابن القَيِّمِ: "والذي اختص به إياس وشريح مع مشاركتهما لأهل عصرهما في العلم هو الفهم في الواقع، والاستدلال بالأمارات وشواهد الحال، وهذا الذي فات كثيرًا من الحكام فأضاعوا كثيرًا من الحقوق" (¬2).
فهذا إياس بن معاوية (ت: 112 هـ) أتته امرأتان تختصمان في كُبَّة غزل ليس معهما بينة، فَبَعَّدَ واحدة وقَرَّبَ الأخرى، فقال لها: على أي شيء كببت غزلك؟ قالت: على كسرة خبز، فَنَحَّاها وقرَّب الأخرى، فقال لها: على أي شيء كببت غزلك؟ قالت: على خرقة,
¬__________
(¬1) إعلام الموقعين 1/ 87، 88، وفي المعنى نفسه: الطرق الحكمية 4، 5.
(¬2) الطرف الحكمية 47.

الصفحة 130