كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 2)

الوَسِيلَةَ، فإنها مَنزِلةٌ في الجَنّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيه إلا ذكر الصلاة فكأنه أخذ من القول بكراهة الإفراد وقد تبعه الأردبيلي في أنواره فجزم باستحباب السلام لكن النووي اقتصر في سائر كتبه على السلام فقط اهـ، وأشار إلى تناقض وقع للمصنف والظاهر لا أنه لا تناقض لأن قوله في المنهاج كغيره ولكل أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني مع السلام لأنه نص على الكراهة في أذكاره وأيضًا فإطلاق الصلاة على هذا يستلزم السلام كاستلزام إطلاق سورة الحمد على الفاتحة مع البسملة كما هو مقرر فلا تناقض. قوله: (الْوَسِيلَةَ) قال اللغويون هي ما يتقرب به إلى الملك والكبير وتطلق على المنزلة العلية كما صرح به قوله في الحديث فإنها منزلة في الجنة ويمكن ردها إلى الأول بأن الواصل إلى تلك المنزلة قريب من الله فتكون كالقربة التي يتوسل بها وقال المصنف قال أهل اللغة الوسيلة منزلة عند الملك وقال هي أن تكون عند الله بمنزلة الوزير عند الملك لا يخرج لأحد رزق ولا منزلة إلّا
على يديه وبواسطته.
قلت وما أحسن قول بعض العارفين:
وأنت باب الله أي امرئ ... أتاه من غيرك لا يدخل
واختلف المفسرون في المراد بالوسيلة في قوله تعالى {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35] فقيل القربة وحكي عن ابن عباس ومجاهد وآخرين قال عطاء تقربوا إليه بما يرضيه واختاره الواحدي والبغوي والكشاف فقال الوسيلة كل ما يتوسل به أي يتقرب من قراءة أو صنيعة ومن هذا القول التوسل إلى الله تعالى بنبيه وقيل المحبة أي تحببوا إليه تعالى حكاه الماوردي وأبو الفرج عن أبي زيد وهو راجع إلى معنى الأول قال السيوطي نقلًا عن القرطبي في قوله ثم سلوا لي الوسيلة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك قبل أن يوحى إليه أنه صاحبها ثم أخبر بذلك ومع ذلك فلا بد من الدعاء بها فإن الله تعالى يزيده بكثرة دعاء أمته رفعة كما زاده بصلاتهم ثم أنه يرجع ذلك عليهم بنيل الأجور ووجوب شفاعته اهـ، وفيه نظر لأن في الخبر أنه يرجو ذلك ورجاؤه لا يخيب كما في القول البديع فالأولى أن سبب سؤال ذلك مع كونه حاصلًا له التواضع والخضوع لربه وأداء حق مقام السؤال مع ما في ذلك من الثواب العائد إلى الداعي له بذلك من أمته والله أعلم ثم رأيت في كلام بعض المحققين ما يشهد لما قلته وهو. قوله: فائدة ذلك إعلامنا بأن الله لا يجب عليه أن يفعل شيئًا لأحد من خلقه دان له أن يفعل

الصفحة 122