كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 2)

لا تَنْبَغي إلا لِعَبْدِ مِنْ عِبادِ اللهِ وأرجُو أن أكُونَ أنا هوَ، فَمَنْ سأل لِيَ الوَسِيلة حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بمن شاء ما شاء وإن جلمت مرتبته ففي ذلك أعظم إظهار تواضعه وخوفه المقتفي لمزيد رفعته وعلوه ففيه فائدة عائدة عليه - صلى الله عليه وسلم - وعلينا وقد غفل من لم يمعن النظر في هذا المقام عما ذكرته فأجاب بانحصار فائدة ذلك لنا بامتثال ما أمرنا به في حقه الشريف اهـ، وهو في غاية الحسن. قوله: (لَا تَنْبَغِي إِلَّا لعبد إلِى إلخ) أي يختص بها دون غيره. قوله: (وَأَرْجُو أَنْ أَكونَ أَنَا هُوَ) قال الأبي في شرح مسلم قيل أنا تأكيد للضمير المستتر في أكون وهو خبر وضع موضع إياه ويحتمل أن يكون أنا مبتدأ وهو خبر والجملة خبر أكون ويمكن أن يقال أن "هو" وضع موضع اسم الإشارة أي أكون أنا ذلك العبد كقوله:
فيها سواد من خطوط وبلق ... كأنه في الجلد توليع البهق
قيل لقائله إن أردت المخطوط فقل كأنها وإن أردت السواد والبلق فقل كأنهما فقال أردت كأن ذلك اهـ، ثم ذكر لفظ الرجاء مع أن ذلك له قطعًا أدبًا وإرشادًا وتعليمًا للأمة وتذكيرًا بالخوف وتفويضًا إليه تعالى بحسب مشيئته ليكون، ليكون الطالب للشيء بين الخوف والرجاء وسيأتي في كتاب المدح أن الرجاء من الله تعالى ومن نبيه - صلى الله عليه وسلم - واقع. قوله: (حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) أي وجبت كما في عدة روايات منها رواية الطحاوي، أو نزلت عليه فعلى الأولى يكون مضارعه يحل بكسر الحاء وعلى الأخير بضمها ولا يجوز أن يكون حلت من الحل لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة واللام بمعنى على ويؤيده رواية لمسلم حلت عليه شفاعتي ثم رواية مسلم هذه كرواية البخاري الآتية خالية عن الإشكال ووقع في رواية النسائي والترمذي إلا حلت له شفاعتي بزيادة إلا وهو مشكل لأن جزاء الشرط لا يقترن بإلا
وأول بان حمل على معنى لا يسأل ذلك أحد إلا وجبت له شفاعتي ثم معنى وجبت له الشفاعة أنها ثابتة لا بد منها بالوعد الصادق وفي الخبر بشرى عظيمة لقائل ذلك أنه يموت على الإسلام إذ لا تجب شفاعته - صلى الله عليه وسلم - إلا لمن مات كذلك وشفاعته - صلى الله عليه وسلم - لا تختص بالمذنبين بل تكون برفع الدرجات أو تضعيف الحسنات أو بالكرامة بإيوائه إلى ظل العرش أو كونه في برزخ أو على منابر والإسراع بهم

الصفحة 123