كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 2)

واصْرِفْ عَنِّي سيئهَا، لَا يَصرِف سَيِئَهَا إلا أنتَ، لبيكَ وسَعْديكَ، والخَيرُ كلهُ في يَديكَ، والشَّرُّ ليسَ إلَيكَ، أنا بِكَ وإليكَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عن أن يوجدوا شيئًا ولو ذرة بل الموجد لكل شيء أنت فبعضها عقب أفعالهم وبعضها ابتداء وفيه الإشعار بأن العقل لا يستقل بالاهتداء لما ينفعه فلا تحسين ولا تقبيح له في حال أو قال خلافًا لأرباب الاعتزال. قوله: (واصْرفْ عنِّي سَيِّئهَا) أي ادفع عني سيئها أي الأخلاق السيئة وهذا منه وإن لم تدع نفسه الشريفة إليه بل لا يتصور أن يصدر من بين يديه على سبيل التواضع والتذلل لعلا مقام ربه سبحانه وتعالى أو لتعليم أمته الطريق لينالوا إحسانه وأما قول ابن حجر في شرح المشكاة لا يصرف عني سيئها إلَّا أنت لا سيما ونفسي تدعو وتبذل في تحصيلها معظم جهدها وكلها اهـ. ففيه ما لا يخفى وكأنه غفل حال ذكره ذلك عن كون هذا الكلام الذي ذيله مما تقدم صادرًا من سيد الأنام عليه الصلاة والسلام إذ نفسه الشريفة لا يخطر بها السوء فضلًا عن الدعاء إليه كما قال البوصيري:
فلا يخطر السوء ... على باله ولا الفحشاء
ويمكن أن يجاب بأن هذا اللفظ إنما هو تعليم لأمته فينبغي للعبد إذا أتى به إن يلحظ بقلبه هذا المعنى وينزل نفسه بهذا المنزل وأنه لما كان - صلى الله عليه وسلم - في أعلى مقام التمكين وكلما ازداد العبد من ذلك المقام زاد في اتهام نفسه ورأى قصورها وإن لم يكن عندها قصور رأى أنه بالنظر إليّ على مقامه يقول هذا المقال على سبيل التخضع والتذلل لذي الجلال وهذا لا يستلزم صدور الذنب بحال والله أعلم بحقيقة المقام والمقال. في: (لَبيْكَ) مصدر لب أقام بالمكان وتثنية للتكثير المؤذن بالتكرير إلى غير نهاية أي إقامة على إجابتك لما أمرت به المرة بعد الأخرى. قوله: (وَسَعْديْكَ) أي أسعد وأحظى بإقامتي على طاعتك وإجابتي لسائر أوامرك سعادة بعد سعادة وسيأتي تحقيق الكلام في هذين اللفظين في أذكار الحج إن شاء الله تعالى. قوله: (والخيرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ) أي كل فرد من أفراده من طولك وإفضالك المكنى عنه باليدين أو أريد بهما القدرة والإرادة إذ لا يصدر شيء إلَّا عنهما. قوله: (أَنَا بكَ
وإِليكَ) أي إيجادي وإنشائي بك أي بإيجادك وإمدادك ومنتهى أمري وغاية وجهتي ورغبتي وصلاح حالي معاشًا ومعادًا

الصفحة 169