كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 2)

ويقول: "اللهُمَّ باعِد بَيْني وبَينَ خَطايايَ كما باعَدْتَ بَينَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ، اللهُم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تعالى لنبيه بأنه يقوله. قوله: (وَيقولُ اللهم إلخ) أي يقول ما رواه أحمد وابن راهويه والحميدي في مسانيدهم وثبت في الصحيحين ورواه النسائي وأبو داود وابن ماجة وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي والبغوي في شرح السنة وغيرهم عن أبي هريرة قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي رأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول قال أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي إلخ. قوله: (باعدْ بيني وبين خَطايايَ) المراد بالمباعدة إما محو الخطايا السابقة وترك المؤاخذة أو المنع من الوقوع فيها والعصمة منها بالنسبة للاحقة وهذا مجاز لأن المباعدة إنما تكون في المكان أو الزمان ثم أصلها لا يقتضي الزوال بالكلية كما هو المراد من الحديث بل يقتضي البقاء مع المباعدة وكذلك التشبيه بما بين المشرق والمغرب قال ابن دقيق العيد وموقع التشبيه أن التقاء المشرق والمغرب مستحيل فكأنه أراد ألا يبقى للخطاب منه اقتراب بالكلية والإتيان بصيغة المفاعلة للمبالغة لعدم صحة المغالبة قال القرطبي وهو من باب المبالغة في طلب السلامة من الذنوب وكرر لفظ بين هنا بقوله وبين خطاياي لأن العطف على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض والخطايا جمع خطيئة وأصلها خطاي بوزن فعايل فأبدلت الياء بعد ألف الجمع همزة فصار خطائئي بهمزتين ثم أبدلت الهمزة الثانية ياء لتطرفها ثم قلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار خطاءاي بألفين بينهما همزة فاجتمع شبه ثلاث ألفات فأبدلت الهمزة ياء فصار خطايا بعد خمسة أعمال والخطيئة فعيلة من الخطء بكسر أوله الذنب وفرق بينها وبين الإثم بأنها ما بين العبد وربه وهو بين المخلوقين ونظر فيه بأنه استعمل كلا منهما فيما قيل أنه للآخر وقد تقرر غير مرة أن هذا وأمثاله منه - صلى الله عليه وسلم - من القيام بمقام العبودية وأداء حق الألوهية فلا ينافي عممته من سائر الذنوب صغائرها وكبائرها قبل النبوة
وبعدها ومثله في ذلك جميع الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - أجمعين أو أعد أحواله كلها خطيئات وذنوبًا بالنسبة لعظيم جلاله تعالى وعظيم حقه سبحانه العاجز عن القيام بها على كمالها حتى الكل من الخلق كما أشار إليه - صلى الله عليه وسلم - بقوله سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك أو المراد خطايا أمته أو مما وقع منه مما عتب عليه لمخالفته الأولى

الصفحة 172