كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 2)

نقني من خَطايايَ كما يُنقَّى الثوبُ الأبيَضُ من الدَّنَسِ، اللهُم اغْسِلْني من خَطايايَ بالثلْجِ والماءِ والبَرَدِ".
فكل هذا المذكور ثابت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاء في الباب أحاديث أُخر منها: حديث عائشة رضي الله عنها كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والأكمل نظرًا لعلو مقامه - صلى الله عليه وسلم - كما في عفا الله عنك ونحوه أو أنه تعليم للأمة وإن استحال في حقه - صلى الله عليه وسلم - قوله: (نقني من خطاياي) هو مجاز عن زوال الذنب ومحو أثره وفيه الإشارة إلى أن الذنب سبب لإظلام القلب. قوله: (مِنَ الدنَسِ) وفي رواية من الدرن وفي رواية من الوسخ وكلها متقاربة أو مترادفة إذ الدنس بفتح أوليه الوسخ فلما كان النقاء أظهر في الثوب الأبيض من غيره من الألوان وقع التشبيه به. قوله: (اغسِلْني مِنْ خَطايايَ) هذه رواية مسلم أي طهرني منها ورواية غيره اللهم اغسل خطاياي. قوله: (بالثلج والماءِ والبَرَدِ) كذا في نسخ الأذكار وفي المشكاة تقديم الماء عليهما قال الخطابي هذه أمثال ولم يرد الشارع أعيان هذه المسميات وإنما أراد بها التوكيد في التطهير من الخطايا والمبالغة في محوها عنه والثلج والبرد ماء إن لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما استعمال فكان ضرب المثل بهما آكد وقال ابن دقيق العيد هذا مجاز ويحتمل أمرين أحدهما أن يكون أراد التعبير بذلك عن غاية المحو بالأمور الثلاثة فإن الثوب الذي يتكرر عليه ثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء ثانيهما إن يكون كل واحد منها مجازًا عن صفة يقع بها التكفير والمحو ولعل ذلك في قوله تعالى: ({وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} [البقرة: 286] فكل واحد من هذه الصفات له أثر في محو الذنب وإلى هذا أشار الطيبي بحثًا فقال يمكن أن يقال المطلوب من ذكر الثلج والبرد بعد الماء شمول أنواع المغفرة والرحمة بعد العفو لإطفاء حرارة عذاب النار التي هي في غاية الحرارة ومنه قولهم برد الله مضجعه أي رحمه ووقاه عذاب النار ويؤيده وصف الماء بالبارد في رواية مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى ولعله جعل الخطايا بمنزلة جهنم لأنها مسببة عنها فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقيًا عن الماء إلى ما هو أبرد منه وبهذا ظهر السر في التعبير بالماء البارد والثلج والبرد مع إن الماء السخن أبلغ في إذهاب الوسخ من الماء البارد وقال التوربشتي إنما خص هذه الثلاثة بالذكر لأنها منزلة من السماء

الصفحة 173