كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 2)

مَدَى صوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ ولا إنْسٌ ولا شَيءٌ إلَّا شَهِدَ لهُ يَوْمَ القِيامة"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حسام بن مصك وهو بصري روى عنه جماعة وأخرجه ابن عدي في ترجمته ونقل تضعيف حسام عن جماعة ثم قال عامة أحاديثه غرائب وأفراد وهو مع ضعفه حسن الحديث قال الحافظ لعله أراد الحسن المعنوي وإلا فحسام متفق على تضعيف حديثه ولم يسمه ابن أبي شيبة في روايته عن يزيد عنه بل قال حدثنا شيخ وكأنه أبهمه لضعفه وهو بضم الحاء وتخفيف السين وأبوه مصك بكسر أوله وفتح الصاد المهملة وتشديد الكاف قال الحافظ ووجدت لهذا الحديث سببًا من حديث بلال قال يا رسول الله إن الناس يتجرون ويبتغون معايشهم ولا نستطيع أن نفعل ذلك فقال ألا ترضى إن المؤذنين أطول الناس أعناقًا يوم القيامة قال الحافظ بعد تخريجه حديث حسن أخرجه البزار وقال لم يرو قبيصة عن بلال إلَّا هذا الحديث ولا نعلم له إلّا هذا الإسناد وقال الحافظ ولا بأس برواته إلَّا أن في رواية البزار مخالفة في بعض رواته قال ومع ذلك فالحديث حسن.
قوله: (مَدَى صَوْتِ المُؤَذنِ) قال ابن النحوي في البدر المنير المدى بفتح الميم مقصور يكتب بالياء وهو الغاية اهـ، وإنما أتى به ولم يقتصر على صوت المؤذن تنبيهًا على أن من ينتهي إليه صوته يشهد له وإن لم يسمع إلّا همسه ففيه الحث على استفراغ الجهد في رفع الصوت بالأذان وقال
الخطابي في الحديث يغفر للمؤذن مدى صوته، مدى الشيء غايته والمعنى أنه يستكمل مغفرة الله عز وجل إذا استوفى وسعه في رفع الصوت فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت قال الحافظ المنذري في الترغيب ويشهد لهذا رواية من قال يغفر له مد صوته بتشديد الدال أي بقدر مد صوته قال الخطابي وفيه وجه آخر وهو أنه كلام تمثيل وتشبيه يريد أن المكان الذي ينتهي إليه ضوته لو يقدر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوبًا تملأ تلك المسافة غفرها الله تعالى اهـ. قوله: (جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ) قدم الجن إما للترقي منه إلى الإنس الأشرف أو للاهتمام لأن شهادة الإنس بعضهم لبعض لا تستبعد لاتحاد الجنس بخلاف الجن لاختلافه وتضاده فإذا شهدوا مع ذلك فالإنس أولى. قوله: (وَلَا شَيْءٌ) من عطف العام على الخاص ليعم سائر الحيوان والجماد بأن يخلق الله تعالى فيه فهما وسمعًا فيسمع ويعقل. قوله: (إلا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) بلسان القال بفضله وعلو درجته تكميلا لسروره وتطييبًا لقلبه كما أنه تعالى يفضح

الصفحة 78