كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 2)

ومن بقربه: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله. ثم يعود إلى الجهر وإعلاء الصوت، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله.
والتثويب أيضًا مسنون عندنا، وهو أن يقول في أذان الصبح خاصة بعد فراغه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثبوت في الدرج فتنقل حركتها اهـ. وقول شيخنا زكريا تبعًا لكلام الهروي وهو القياس وما علل به المبرد ممنوع إذ الوقف ليس على أكبر الأولى وليس هو مثل الميم من الم كما لا يخفى اهـ، ممنوع وإن قال ابن دحية ما قاله المبرد خطأ عند البصريين
وقال في الخادم إن المبرد نوزع في ذلك وذلك لما علمت أنه يسن الوقف على أكبر الأول أيضًا فيرجع الفتح لذلك وإن سلمنا أنه ليس مثل ميم من حيث أنه مبني قياسه الفتح لأنه أخف وأكبر معرب مرفوع لأن طلب الوقف على أكبر الأول صيره كالساكن أصالة فحرك بالفتح لالتقاء الساكنين فالحركة لالتقائهما بالاعتبار وبه اندفع تخطئة ابني دحية وهشام السابقة لأنهما بنياها على هذا المنفي وكأن من قال لو وصل كلمات الأذان لم يجز غير الفتح وعلله بما ذكره المبرد نظر إلى ما ذكرته من ذلك الاعتبار لكن نفيه الجواز غريب بعيد وظهر أن لما نقله الزركشي من جواز الكسر أيضًا وجها وإنما اختير الفتح عليه حفظا لتفخيم اللام وإن قوله يجوز الإسكان بسكتة لطيفة فيه نظر لما تقرر أن الإسكان بذلك سنة وإن قوله في أحكام المساجد كل من الرفع والفتح غلط هو الغلط اللهم إلَّا أن يكون مراده إن كلا منهما غلط من حيث مخالفته للسنة ثم رأيت بعض المحققين من المتكلمين على المغني صرح بما ذكرته فقال ردًّا عليه بل هو خروج عن الظاهر لداع صحيح إذ الأذان لم يسمع إلّا موقوفًا قال النخعي الأذان جزم ففي نقل الحركة إيذان بأنه واقف حكمًا ولولا ذلك لما نقل وإنما فعله حرصًا على عدم الخروج بالكلية عن السنة في الأذان من إيراد كلماته موقوفًا على أواخرها فهو إن لم يقف حسًّا فقد وقف حكمًا من جهة أنه اعتبر آخر الكلمة ساكنًا لأجل الوقف ثم نقل إليها حركة الهمزة ووصل مع نية الوقف ولو ضم الراء بالحركة الإعرابية كما استصوبه المصنف كان غير واقف لا حسًّا ولا حكمًا فخرج عن سنة الأذان بالكلية فبان إن ثم غرضًا صحيحًا وداعيًا مقبولًا إلى ارتكاب ذلك واحتجاج المصنف بأن همزة الوصل لا ثبوت لها في الدرج لا يفيد إذا فرضنا إن الناقل حركتها إلى الراء واقف حكمًا لا وصلًا فلهمزة الوصل ثبوت إذ الدرج مفقود حكمًا فتأمله اهـ.
فإن قلت لا نسلم أن الوقف على أكبر الأولى سنة وكلام المجموع لا يدل لذلك لأنه إنما ذكر الوقف على آخر كلمات الأذان والآخر في كلمتي التكبير هو الثانية ونقله ما مر عن الهروي والمبرد ليس معارضًا لما قبله لأنه في أواخر الكلمات وما قالاه في الراء الأولى وليست من الآخر وحينئذٍ فليس معنى الوقف فيها إلا قوليهما والأرجح منه كلام الهروي لأن كلام المبرد مبني على أن الوقف على الراء وقد تقرر أنه لا وقف عليها.
قلت هذا كله ممكن إلَّا أنه صريح عبارة المجموع السابقة فتأملها ثم رأيت القمولي وغيره فهموا من عبارة المجموع ما ذكرته فقالوا يسن الوقف على آخر كلمات الأذان وقال الهروي إلى آخر ما مر فجعلوا كلام الهروي والمبرد مقابلًا لندب الوقوف على الآخر الشامل لا كبر الأول ثم قضية علة المبرد أن الأولى في الإقامة الضم لأنه ليس الأصل فيها الوقف أي لأنه يسن إدراج كلماته كما سيأتي انتهى برمته والله أعلم. قوله: (ومَنْ بِقُرْبِهِ) أي عرفًا أو يسمعه أهل المسجد الذي هو واقف عليه المعتدل الخطة بكسر الخاء المعجمة أي المتوسطها.
قوله: (والتَّثويبَ سنة عِنْدَنا) هو بالمثلثة ويقال التثويب من ثاب إذا رجع لأن المؤذن دعا إلى الصلاة بالحيعلتين ثم عاد فدعا إليها بذلك.
فإن قلت إذا كان كل من الحيعلات فيه دعاء إلى الصلاة فهو بالتثويب مستمر في الدعاء إليها لا عائد إليه.
قلت هو عائد إلى الدعاء إليها بخصوصها بعد أن دعا إليها وإلى غيرها بقوله حي على الفلاح فهو أولًا دعا إلى الخصوص بحي على الصلاة ثم إلى العموم بحي على الفلاح ثم عاد إلى الدعاء بالخصوص بقوله الصلاة خير من النوم وقيل أصل التثويب أن يجيء الرجل مستصرخًا فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر فسمي الدعاء إلى الصلاة تثويبًا لذلك وكل داع مثوب ودليل استحبابه ذكره في أذان الصبح في حديث أبي محذورة رواه أبو داود وفي التمهيد وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أيضًا من حديث عبد الله بن زيد ورواه ابن خزيمة عن أنس بلفظ من السنة

الصفحة 87