كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 2)

ثقةً، مأمونًا، خبيرًا بالوقت، متبرعًا، ويستحبُّ أن يؤذِّن ويقيم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فأعجبه صوت أبي محذورة وفي طريق آخر لقد سمعت في هؤلاء صوت إنسان حسن الصوت وكلاهما في السنن والثاني منهما عند ابن خزيمة ويؤخذ أيضًا من قوله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن زيد رائي الأذان قم فألقه على بلال فإنه أندى صوتًا منك بناء على أن المراد أطيب وقيل المراد به أرفع ولأنه لترقيقه قلوب السامعين يكون أرق فيكون ميلهم إلى الإجابة أكثر ولو وجد متبرع بالأذان وطلب حسن الصوت أجرة قدم لعموم نفعه وفي شرح مسلم للأبي قال عمر بن عبد العزيز لمؤذن أذن أذانًا سمحًا وإلا فاعتزلنا.
قلت يذكر إن يهوديًّا كان يبعث ولده من سوق الصاغة بتونس فبطا عليه فسمع أن الولد يقف ينتظر أذان مؤذن حسن الصوت بمسجد سوق القلعة فخاف على ولده الإسلام وكان اليهودي يعرف مؤذنا فظيع الصوت بمسجد آخر فتحين أذانه ورفع ولده إليه حتى سمعه وقال له ذلك الذي يقوله المؤذن بسوق القلعة هو الذي يقوله هذا اهـ. قوله: (ثقة مأْمونًا) لخبر ضعيف وليؤذن لكم خياركم وفي الأم للشافعي وأحب أن يكون المؤذنون خيار الناس ولأنه أمين على الوقت ويطلع لعلو مكانه على العورات فإن أذن فاسق فيكره إذ لا يؤمن أن يؤذن في غير الوقت لكن يحصل بأذانه السنة وإن لم يقبل خبره. قوله: (مُتَبرِّعا) أي لا يأخذ عليه رزقا ولا أجرة لخبر من أذن سبع سنين محتسبا كتب الله له براءة من النار رواه الترمذي وغيره وفي إسناده مقال وروى الطبراني المؤذن المحتسب كالشهيد المتشحط في دمه إذا مات لم يدود في قبره.
وقد نظمت بعض من لا يأكله الدود في قبره في بيتين فقلت:
لا يأكل الدود جسمًا للنبي ولا ... مؤذن باحتساب والشهيد ذكي
وعالم عامل لله مجتنبًا ... أكل الحرام كثير الدين والنسك
قال في الأنوار ويكره أن يأخذ له أجرة ويدل له خبر الترمذي وحسنه ورواه باقي أصحاب السنن الأربعة كما قال الحافظ عن عثمان بن أبي العاص آخر ما عهد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن اتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا ففيه دليل ظاهر للكراهة ولا يرزق الإمام مؤذنًا وهناك متطوع عدل فإن كان فاسقًا أو أمينًا وثم أمين أحسن صوتًا غير متطوع رزقه من المصالح قدر حاجته وحاجة مموِّنه أو رزقه من ماله

الصفحة 98