كتاب تفسير الماوردي = النكت والعيون (اسم الجزء: 2)
وفي معنى الكلام وجهان: أحدهما: أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره من أمته , كما قال تعالى: {يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ} الآية [الطلاق: 1]. والثاني: أنه خطاب ورد على عادة العرب في توليد القبول والتنبيه على أسباب الطاعة. كقول الرجل لابنه: إن كنت ابني فبرّني , ولعبده إن كنت مملوكي فامتثل أمري , ولا يدل ذلك على شك الولد في أنه ابن أبيه ولا أن العبد شاك في أنه ملك لسيده. {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} أي من الشاكّين. قوله عز وجل: {إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ} يحتمل وجهين: أحدهما: إن الذين وجبت عليهم كلمة ربك بالوعيد والغضب لا يؤمنون أبداً. الثاني: إن الذين وقعت كلمته عليهم بنزول العذاب بهم لا يؤمنون أبداً.
{فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} قوله عز وجل: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌءَامَنَتُ فَنَفَعَهآ إيمَانُهَا} والمراد بالقرية أهل القرية. {إلاَّ قَوْمَ يُونُسَ} وهم أهل نينوى من بلاد الموصل فإن يونس عليه السلام وعدهم بالعذاب بعد ثلاثة أيام , فقالوا: انظروا يونس فإن خرج عنا فوعيده حق , فلما خرج عنهم تحققوه ففزعوا إلى شيخ منهم فقال: توبوا وادعوا وقولوا يا حي حين لاحي , ويا حي يا محيي الموتى , ويا حي لا إله إلا أنت , فلبسوا المسوح وفرقوا بين كل والدة وولدها , وخرجوا من قريتهم تائبين داعين فكشف الله عنهم العذاب كما قال تعالى: { ... كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وفيه وجهان: أحدهما: أنهم تابوا قبل أن يروا العذاب فلذلك قبل توبتهم , ولو رأوه لم يقبلها كما لم يقبل من فرعون إيمانه لما أدركه الغرق. الثاني: أنه تعالى خصهم بقبول التوبة بعد رؤية العذاب , قال قتادة: كشف