كتاب الفروع وتصحيح الفروع (اسم الجزء: 2)

وَسَأَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيُّ "عُرَى الْإِسْلَامِ أَوْثَقُ؟ " قَالُوا الصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، قَالَ: "لَا، أَوْثَقُ عُرَى الْإِسْلَامِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ1، مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْفُنُونِ رِوَايَةَ مُثَنَّى فَقَالَ: يَعْنِي الْفِكْرَةَ فِي آلَاءِ اللَّهِ، وَدَلَائِلِ صُنْعِهِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الَّذِي يَفْتَحُ أَبْوَابَ الْخَيْرِ، وَمَا أَثْمَرَ الشَّيْءَ فَهُوَ خير من ثَمَرَتِهِ.
وَقَالَ فِي الْفُنُونِ أَيْضًا: لَوْ لَمْ يَكُنْ مُقَاسَاةُ الْمُكَلَّفِ إلَّا لِنَفْسِهِ لَكَفَاهُ، إلَى أَنْ قَالَ: فَكَفَى بِك شُغْلًا أَنْ تَصِحَّ وَتَسْلَمَ، وَتُدَاوِيَ بَعْضَك بِبَعْضٍ، فَذَلِكَ هُوَ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ، لِأَنَّهُ مُغَالَبَةُ الْمَحْبُوبَاتِ، لِأَنَّك إذَا تَأَمَّلْت مَا يُكَابِدُ الْمَعَانِيَ، لِهَذِهِ الطِّبَاعِ الْمُتَغَالِبَةِ وَجَدْته الْقَتْلَ فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ إنْ ثَارَ غَضَبُهُ كُلِّفَ بِتَبْرِيدِ تِلْكَ النَّارِ الْمُضْطَرِمَة بِالْحِلْمِ، وَإِنْ تَكَلَّبَتْ الطِّبَاعُ لِاسْتِيفَاءِ لَذَّةٍ مَعَ تَمَكُّنِ قُدْرَةٍ وَخَلْوَةٍ كُلِّفَ بِتَقْلِيصِ أَدَوَاتِ الِامْتِدَادِ بِاسْتِحْضَارِ زَجْرِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ وَرَهْبَةِ وَعِيدِ الْحَقِّ، وَإِنْ ثَارَ الْحَسَدُ كُلِّفَ الْقُنُوعَ بِالْحَالِ وَتَرْكَ مُطَالَعَةِ أَحْوَالِ الْأَغْيَارِ، وَإِنْ غَلَبَ الْحِقْدُ وَطَلَبُ التَّشَفِّي مِنْ الْبَادِئِ بِالسُّوءِ كُلِّفَ تَغْيِيرَ الْحِقْدِ بِاسْتِحْضَارِ الْعَفْوِ، وَإِنْ ثَارَ الْإِعْجَابُ وَالْمُبَاهَاةُ لِرُؤْيَةِ الْخَصَائِصِ الَّتِي فِي النَّفْسِ كُلِّفَ اسْتِحْضَارَ لَطِيفَةٍ مِنْ التَّوَاضُعِ وَالْعَطَاءِ لِلْجِنْسِ، وَإِنْ اسْتَحَلَّتْ النَّفْسُ الِاسْتِمَاعَ إلَى اللَّغْوِ كُلِّفَ اسْتِحْضَارَ الصِّيَانَةِ عَنْ الْإِصْغَاءِ إلَى دَاعِيَةِ الشَّهْوَةِ وَاللَّهْوِ.
هَذَا وَأَمْثَالُهُ هُوَ الْعَمَلُ، وَالنَّاسُ عَنْهُ بِمَعْزِلٍ، لَا يَقَعُ لَهُمْ أَنَّ الْعَمَلَ سِوَى رَكَعَاتٍ يَتَنَفَّلُ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي جوف الليل، تلك عبادة الكسالى العجزة
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
1 أحمد "18524" والبيهقي في "شعب الإيمان" 14.

الصفحة 352