كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 2)

الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم"، وفي بعضها "إني أخطأت وأنا في الفردوس، فإن يغفر لي اليوم حسبي" وفي بعضها "إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني من الشجرة فعصيت. نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري".
ونوح يذكر أنه دعا على قومه بالهلاك، ففي بعض الروايات "إني دعوت بدعوة أغرقت أهل الأرض" وفي رواية "ويذكر سؤال ربه ما ليس له به علم".
وإبراهيم يذكر كذباته الثلاث، ففي بعض الروايات "إني كنت كذبت ثلاث كذبات" زاد في بعضها قوله: "إني سقيم" وقوله: "بل فعله كبيرهم هذا" وقوله لامرأته: "أخبريه أني أخوك"، وذكرت بعض الروايات بدل الأخيرة قوله في الكوكب: "هذا ربي".
قال صلى الله عليه وسلم: "ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين الله" أي إلا جادل بها عن دين الله. وقال البيضاوي: الحق أن الكلمات الثلاث إنما كانت من معاريض الكلام، لكن لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها استصغارا لنفسه عن الشفاعة.
وموسى يذكر أنه قتل نفسا بغير نفس ومن غير أن يؤمر بقتلها.
وعيسى يذكر أنه عبد من دون الله، ففي بعض الروايات "إني اتخذت إلها من دون الله، وإن يغفر لي اليوم حسبي".
أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد وصف بأنه قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر مما يوحي بأنه أذنب كإخوانه الأنبياء.
ومن هنا نشأ إشكال حاصله: إذا كانت مغفرة الذنب تؤهل صاحبها للشفاعة، فلم لا يؤهل موسى لذلك، مع أنه قد غفر له بنص القرآن؟ قال تعالى: {فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين* قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم} [القصص: 15 - 16] ولم أشفق موسى من المؤاخذة؟ .
أجاب الحافظ ابن حجر، واختار أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يقع منه ذنب، وقال: يؤخذ من هذا التفرقة بين من وقع منه شيء، ومن لم يقع منه شيء أصلا، فإن موسى عليه السلام مع وقوع المغفرة له لم يرتفع إشفاقه من المؤاخذة بذلك، ورأى في نفسه تقصيرا عن مقام الشفاعة، مع وجود ما صدر منه، بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك كله، ومن ثم احتج عيسى بأنه صاحب الشفاعة، لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، بمعنى أن الله أخبر أنه لا يؤاخذ بذنب لو وقع منه. اهـ.
وقد أطال المفسرون في المراد من قوله تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [الفتح: 2].
فقال بعضهم: المتقدم ما قبل النبوة، والمتأخر العصمة، وقيل: ما وقع من سهو أو تأويل. وقيل: المتقدم ذنب آدم، والمتأخر ذنب أمته. وقيل: المعنى أنه مغفور له غير مؤاخذ لو وقع، وقيل: المراد به

الصفحة 27