كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 2)

والرابعة، والخامسة، والسادسة، من توجه الناس إلى آدم ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم، ثم إلى موسى ثم إلى عيسى، ثم إلى محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وصاحب هذه الشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيها أحد من الملائكة ولا من الأنبياء، وكيفيتها طبقا لما جاء في الروايات الصحيحة: أن ينطلق صلى الله عليه وسلم، فيأتي تحت العرش، فيقع ساجدا، يثني ويحمد حتى يقال له: ارفع رأسك.
ففي الرواية الأولى "فيأتوني، فأستأذن على ربي، فيؤذن لي فإذا أنا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله. فيقال: يا محمد ارفع رأسك ... " وقريب من هذا في الرواية الثالثة، وفيها من الزيادة "فأقوم بين يديه، فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن يلهمنيه الله" وفي الرواية الرابعة "فأنطلق، فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي. ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي".
وكأنه صلى الله عليه وسلم يلهم التحميد والثناء قبل السجود وفي أثنائه وبعده عندما يرفع رأسه.
وقد روى النسائي بعض هذه المحامد من حديث حذيفة رفعه "فيقال: يا محمد. فأقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والمهدي من هديت، وعبدك بين يديك، وبك وإليك، تباركت وتعاليت، سبحانك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك. سبحانك رب البيت".
فيقال: ارفع رأسك يا محمد وسل تعط واشفع تشفع. فيطلب من ربه أن يفرق جمع الأمم إلى حيث يشاء.
فينادي المنادي: ألا فلتتبع كل أمة ما كانت تعبد في الدنيا، فيساق المشركون إلى النار، ويبقى في الموقف من كان يعبد الله فيوضع الميزان وتتطاير الصحف، ويقوم العرض والحساب وينصب الصراط.
وهذا النوع من الشفاعة ثابت بإجماع الأمة: أهل السنة منها والمعتزلة والخوارج. وغيرهم.
أما النوع الثاني وهو إدخال قوم الجنة بغير حساب: فدليله ما رواه أبو هريرة في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سألت ربي فوعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب. فاستزدت ربي فزادني مع كل ألف سبعين ألفا" وأخرج الترمذي وحسنه، والطبراني وابن حبان في صحيحه. من حديث أبي أمامة رفعه "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا مع كل ألف سبعون ألفا. لا حساب عليهم ولا عذاب. وثلاث حثيات من حثيات ربي" وقوله في الرواية الرابعة "فأقول: يا رب أمتي. أمتي. فيقال: يا محمد. ادخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة. وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب".
وهذا النوع وإن سلم به المعتزلة والخوارج لكنهم اشترطوا ألا يكون فيهم مرتكب كبيرة لم يتب منها؛ لأن أصحاب الكبائر عندهم لا يدخلون الجنة إن لم يتوبوا.

الصفحة 29