كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 2)

(كما يغلي المرجل) بكسر الميم وفتح الجيم، قدر معروف، سواء كان من حديد أو نحاس أو حجارة أو خزف، وقيل: هو القدر من النحاس خاصة. والغليان: شدة اضطراب الماء ونحوه على النار لشدة اتقادها، وفي رواية للبخاري "كما يغلي المرجل بالقمقم" والقمقم إناء ضيق الرأس، يسخن فيه الماء، فارسي معرب، قد يؤنث، فيقال: قمقمة، قال ابن التين: في هذا التركيب نظر، وقال عياض: الصواب كما يغلي المرجل والقمقم بواو العطف، وجوز غيره أن تكون الباء بمعنى مع، وفي رواية "كما يغلي المرجل أو القمقم".
(ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا، وإنه لأهونهم عذابا) جملة "وإنه لأهونهم عذابا" في محل النصب على الحال من فاعل "يرى".

-[فقه الحديث]-
ذكرنا في الجزء الأول عند شرح حديث وفاة أبي طالب أن جمهور العلماء والرأي المعتمد أن أبا طالب مات مشركا، وأن آخر كلمة نطق بها: هو على ملة عبد المطلب.
وقلنا: إنه لا يلتفت إلى القول بأنه مات مؤمنا، اعتمادا على ما روي من أن العباس قال: والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرت بها يا ابن أخي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لم أسمعها، على أن العباس قال ذلك قبل أن يسلم، ولو أداها بعد الإسلام لقبلت منه، كما لم يلتفت إلى قول القرطبي: وقد سمعت أن الله تعالى أحيا عمه أبا طالب، فآمن به.
فإن قال القائل: جاء في بعض السير: أن أبا طالب كان مصدقا بقلبه حيث جاء في الحديث، "لولا أن تعيرني قريش، يقولون: إنما حمله على ذلك الجزع، لأقررت بها عينك"، وفي صحة إيمان المصدق بقلبه دون أن ينطق بلسانه خلاف، فهل يدخل إيمان أبي طالب في هذا الخلاف؟ وهل يعد مؤمنا عند من يعتد بذلك؟ أجيب بأنه لم يدخل عند أي من المختلفين لأن محل الخلاف ما لم يعلن نقيض الإيمان، وأبو طالب صرح بالنقيض في قوله: "هو على ملة عبد المطلب" ومما يؤيد أنه مات كافرا: ما رواه النسائي عن علي -كرم الله وجهه- قال: "قلت: يا رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات. قال: اذهب فواره. قلت: إنه مات مشركا: قال اذهب فواره".
ويحاول بعض الروافض أن يثبتوا إسلام أبي طالب بالأحاديث الواهية، قال الحافظ ابن حجر: ولا يثبت من ذلك شيء، والله أعلم.
وقلنا هناك: إن الظاهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم بنى استغفاره لأبي طالب -بعد أن امتنع عن الإقرار بالتوحيد، ومات على ذلك- بناه على اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم مقتديا بإبراهيم -عليه السلام- في استغفاره لأبيه، وقد حمل ابن المنير استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي طالب، وقوله: "والله لأستغفرن لك ما لم أنه عن ذلك" حمله على تخفيف العذاب، لا على طلب المغفرة العامة، والمسامحة من ذنب

الصفحة 50