كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 2)

-[المعنى العام]-
كان حصين بن عبد الرحمن في مجلس سعيد بن جبير، صبيحة ليلة سقط فيها شهاب من كوكب فأضاء الأفق، قال سعيد بن جبير لجلسائه: أيكم شاهد الكوكب الليلة، وهو ينبعث منه شهاب من النار؟ فقال حصين: أنا شاهدته، وكان في النصف الثاني من الليل، لكن لا تحسبوا أني كنت أصلي، لا تظنوا أني كنت أقوم الليل وأتهجد، بل كنت متيقظا من آلام لدغة عقرب، قال له سعيد: فبماذا عالجت نفسك من سم العقرب؟ قال: رقيت نفسي، قال: من أنبأك أن الرقية علاج؟ قال: حملني على ذلك ودفعني إليه حديث سمعته عن الشعبي، الذي نتلقى حديثه بالقبول. قال: بماذا حدثكم الشعبي؟ قال: حدثنا عن بريدة بن حصيب الأسلمي، أنه قال: لا رقية أشفى وأولى من رقية العين الحاسدة، ومن الرقية من لدغ الحية أو العقرب أو ذوات السموم، قال سعيد بن جبير: أحسنت صنعا إذا كنت متبعا لا مبتدعا، لكني سمعت حديثا يناقض ما سمعت من حديث، سمعت ابن عباس يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال، عرض الله علي حال الأمم يوم القيامة، وأتباع كل نبي خلفه في طريقهم إلى الجنة، فرأيت النبي وليس معه أحد، وليس له تابع، ورأيت النبي ومعه تابع واحد، والنبي ومعه تابعان، والنبي ومعه دون العشرة، إذ عرض علي سواد كثير، وجمع عظيم، ففرحت به؛ وظننت أنهم أمتي فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء قوم موسى، لكن انظر إلى هذه الجهة، فنظرت فإذا جمع أكبر، قيل لي: انظر إلى الجهة الأخرى، فنظرت فإذا جمع أكبر، قيل لي: هؤلاء وهؤلاء أمتك الذين سيدخلون الجنة، وفيهم سبعون ألفا يدخلونها بغير حساب، ولا عذاب، يدخلونها أول الداخلين، وجوههم تضيء كالقمر ليلة البدر، يدخلونها صفا واحدا متماسكين، يدخلونها في لحظة واحدة، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، يغبطهم الخلق أجمعون، قال عكاشة بن محصن -وكان بين المستمعين لهذا الحديث-: يا رسول الله. ادع الله لي أن أكون منهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل عكاشة منهم، قال رجل آخر من الجالسين: وأنا يا رسول الله. ادع لي الله أن يجعلني منهم، فخشى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتوالى الطلبات، فسد الباب، وقال للسائل: سبقك بالدعوة المستجابة عكاشة. فقال عكاشة: أنا منهم يا رسول الله؟ قال: نعم أنت منهم.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد إلى بيت إحدى أمهات المؤمنين، فخاض الناس في صفة هؤلاء السبعين ألفا، من عساهم يكونون؟ قال بعضهم لعلهم السابقون إلى الإسلام، نحن الذين آمنا بالله واتبعنا الرسول فنحن هم، وقال آخرون: نحن ولدنا في الشرك أما أبناؤنا فقد ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله شيئا، فلعلهم هم، وقال بعضهم: لعلهم الشهداء، وقال آخرون: لعلهم من رق قلبهم للإسلام. فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما الذي تفيضون فيه؟ فذكروا له ما قالوا، قال: هم الذين يسندون الأمور إلى الله، فلا يكتوون على أنه العلاج والشفاء، ولا يسترقون على أن الرقية هي العلاج والشفاء، بل إن فعلوهما فعلوهما مؤمنين أن الشافي هو الله تعالى، ولا يتطيرون ولا يتشاءمون وهم في جميع أحوالهم على ربهم يتوكلون.

الصفحة 59