كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 2)

الجسماني وتلك الرقى المنهي عنها، التي يستعملها المعزم وغيره، ممن يدعي تسخير الجن له فيأتي بأمور مشبهة، مركبة من حق وباطل، يجمع إلى ذكر الله وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين، والاستعانة بهم، والتعوذ بمردتهم لذلك كره من الرقى ما لم يكن بذكر الله وأسمائه خاصة، وباللسان العربي الذي يعرف معناه، ليكون بريئا من الشرك، وعلى كراهة الرقى بغير كتاب الله وسنة رسوله علماء الأمة، اهـ.
وكانت رقية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم رب الناس، مذهب الباس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقما" وفي رواية "امسح الباس رب الناس، بيدك الشفاء، لا كاشف له إلا أنت".
وهذه الأقوال كلها تتجه إلى أن بعض السبعين ألفا كانوا يسترقون، وأن الرقى المشروعة لا تمنع من دخول الجنة بغير حساب، يصرح بهذا القرطبي فيقول: رقى النبي صلى الله عليه وسلم ورقي، وفعله السلف والخلف فلو كان مانعا من اللحاق بالسبعين، أو قادحا في التوكل لم يقع من هؤلاء، وفيهم من هو أعلم وأفضل ممن عداهم. اهـ.
وهناك فريق يتجه إلى القول بأن السبعين ألفا ابتعدوا عن الكي والرقى ابتعادا كليا.
قال الحليمي: يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث من غفل عن أحوال الدنيا، وما فيها من الأسباب المعدة لدفع العوارض، فهم لا يعرفون الاكتواء، ولا الاسترقاء، وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء والاعتصام بالله، والرضى بقضائه. اهـ.
وقال بعضهم: إنما ترك المذكورون الرقى والاسترقاء حسما للمادة لأن فاعل ذلك لا يأمن أن يكل نفسه إليه.
وقال ابن الأثير: هذا من صفة الأولياء المعرضين عن الدنيا وأسبابها وعلائقها، وهؤلاء هم من خواص الأولياء، ولا يرد على هذا وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فعلا وأمرا، لأنه كان في أعلى مقامات العرفان ودرجات التوكل، فكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز. اهـ.
والذي تستريح إليه النفس أن الرقى مشروعة بثلاثة شروط: أن تكون بكلام الله تعالى، أو بأسمائه وصفاته، وأن تكون باللسان العربي، أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بإرادة الله تعالى، وفعلها بهذه الصفة لا يقدح في التوكل، وليس معنى كون هذه صفة السبعين ألفا أن غيرها نقص، فقد يكون من قبيل الحسن والأحسن، والله أعلم.
4 - وأما التطير والتشاؤم
فقد كان من عادة الجاهلية، فأبطله الإسلام وحذر منه، فعند الطبراني "لن ينال الدرجات العلا من تكهن أو استقسم، أو رجع من سفر تطيرا" وعند ابن حبان عن ابن مسعود رفعه "الطيرة شرك".
نعم قد تشفق النفوس البشرية من الشر أحيانا إذا شاهدت أو سمعت شيئا معينا، وعلى المؤمن

الصفحة 66