كتاب صحيح ابن حبان - محققا (اسم الجزء: 2)

أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ1 بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صِلَةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ فَهَلْ فِيهَا أَجْرٌ فقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَسْلَمْتَ عَلَى ما سلف لك من أجر" 2. [3:65]
__________
1 أتحنث بالمثلثة، أي: أتقرب، والحنث في الأصل: الإثم، وكأنه أراد ألقي عني الإثم، ولما أخرج البخاري في الأدب، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، قال في آخره: ويقال أيضاً عن أبي اليمان: أتحنت "يعني بالمثناة" ونقل عن ابن إسحاق: التحنث: التبرر، قال: وتابعه هشام بن عروة عن أبيه، وحديث هشام أورده في العتق بلفظ: كنت أتحنث بها يعني أتبرر بها، قال القاضي عياض: رواه جماعة من الرواة في البخاري بالمثلثة وبالمشاة، وبالمثلثة أصح رواية ومعنى.
2 إسناده صحيح، عمرو بن عثمان روى له أبوداود والنسائي، وثقه غير واحد، وقال أبو حاتم: صدوق، وأبوه عثمان بن سعيد الحمصي ثقة، روى له أبو داود والنسائي أيضاً، ومن فوقهما ثقات من رجال الشيخين.
وأخرجه عبد الرزاق "19685"، وأحمد 3/402، والبخاري "1436" في الزكاة: باب من تصدق في الشرك ثم أسلم، ومسلم "123" "195" في الإيمان: باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده، والطبراني في "الكبير" "3086"، والبيهقي في "السُّنن" 9/123 و10/316، والبغوي "شرح السُّنة" "27" من طريق معمر، والبخاري "2220" في البيوع: باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه، و"5992"في الأدب: باب من وصل رحمه في الشرك ثم أسلم، وأبو عوانة 1/73 من طريق شعيب، ومسلم "123" "194" وأبو عوانة 1/72، والطبراني "3087" من طريق يونس بن يزيد، ومسلم "123" "195"، وأبو عوانة 1/72، والطبراني "3089"، من طريق صالح بن كيسان، والطبراني "3088" من طريق عبد الرحمن بن مسافر، كلهم عن الزهري، بهذا الإسناد. وأخرجه الحميدي "554"، وأحمد 3/434، والبخاري "2538" في العتق: باب عتق المشرك، ومسلم "123" "195" و"196"، وأبو عوانة 1/73، والطبراني "3076" و"3084"، والبيهقي في "السُّنن" 10/316من طريق هشام بن عروة، عن أبيه عروة، به.
وأخرج النسائي 8/105، 106 في الإيمان: باب حسن إسلام المرء بسند صحيح من حديث أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أسلم العبد فحسن إسلامه، كتب الله له كل حسنة كان أزلفها، ومحيت عنه كل سيئة كان أزلفها، ثم كان بعد ذلك القصاص، الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مئة ضعف، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عز وجل عنها".
قال السندي: وهذا الحديث يدل على أن حسنات الكافر موقوفة إن أسلم تقبل، وإلا ترد، لا مردودة، وعلى هذا فنحو قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ} محمول على من مات على الكفر، والظاهر أنه لا دليل على خلافه، وفضل الله أوسع من هذا وأكثر، فلا استبعاد فيه، وحديث "الإيمان يجبُّ ما قبله" من الخطايا في السيئات لا في الحسنات..
وإذا بقي على كفره، فإنه يجازى على فعل الخير بالدنيا، فقد روى مسلم في "صحيحه" "2808" في صفات المنافقين وأحكامهم: باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة، وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا من حديث أنس بن مالك مرفوعاً: "إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن، فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويُعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته".

الصفحة 38