كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 2)

ذلك وتعلم من والده القسوة، ولكن هذا الوالد سرعان ما توفي أيضا فأصاب أبا راس اليتم والفقر.
ولا ندري لماذا توجه عبد القادر، الأخ الأكبر لأبي راس، إلى المغرب، ولكن الظاهر أنه كان يبحث عن عمل، ومهما كان الأمر فقد كفل عبد القادر أخاه أبا راس وأخذه معه إلى المغرب، وهناك حفظ القرآن وشب، وعاد إلى معسكر بالفقر أيضا وبشيء من العلم، فوجد عالما قد طبقت شهرته آفاق الناحية، وهو عبد القادر المشرفي، الذي اشتهر بالإضافة إلى العلم التقليدي، بالأخبار والتاريخ. فتتلمذ عليه أبو راس وتأثر به كثيرا، ولازمه مدة، وكان أبو راس هو الذي يغسل ثياب الشيخ ويكويها كما يقول عن نفسه، ثم أحس أبو راس بشيء من الاستقلال العلمي فخرج إلى الريف وتزوج وبدأ ينشر علمه الذي حصل عليه، كما تولى القضاء، وقد دام على هذه الحال سنتين فقط، ثم عاد إلى معسكر لأنه أحس بمعلوماته تضعف في الريف، فاستقر بمعسكر ستا وثلاثين سنة. ففيها بلغت شهرته أقصاها وفيها انتصب للتدريس والفتوى وعرف بالحفظ والصوت الجهوري، وكان مجلسه العلمي كبيرا حتى بلغ، كما قيل، سبعمائة وثمانين مستمعا أحيانا. وكان شيخه عبد القادر المشرفي هو الذي رشحه ليكون خليفة له في التدريس.
وبالإضافة إلى المشرفي الذي كان له المربي والموجه والمشجع على شق حياته، درس أبو راس على مشائخ آخرين كثيرين ذكرهم في ثبته ورحلته، تتلمذ على بعضهم وهو في معسكر والمغرب ومدينة الجزائر وقسنطينة وتونس، وعلى آخرين حين توجه إلى الحج مرتين، في مصر والحرمين، ولا نريد هنا أن نثقل على القارئ بذكرهم، وحسبنا أن نحيل إلى دراستنا عنه المشار إليها وإلى رحلته المسماة (فتح الإله)، ولنذكر هنا من مشائخه أحمد بن عمار مفتي مدينة الجزائر الذي تأثر به، ومحمد مرتضى الزبيدي الذي خصه بكتاب سماه (السيف المنتضى فيما رويته بأسانيد الشيخ مرتضى)، وقد أخرج أبو راس عددا كبيرا من التلاميذ من أبرزهم أبو حامد المشرفي صاحب التآليف العديدة في التاريخ والأدب والرحلات.

الصفحة 378