كتاب تاريخ الجزائر الثقافي (اسم الجزء: 2)

ولعل آخر هذه الرحلات غير الحجازية هي رحلة الحاج ابن الدين الأغواطي إلى الصحراء، والواقع أن عمل ابن الدين هذا ما زال غامضا، ذلك أن معلوماته هامة، ولكننا ما زلنا في حاجة إلى معلومات إضافية عنه. فقد جمع بين الأخبار عن الصحراء وقراها وواحاتها وعاداتها وبين الحديث عن جزء من الجزيرة العربية وجربة وقابس وشنقيط ونحوها، ثم إنه ليس من الواضح أنه قد زار الأماكن التي وصفها، ولعله سمع عنها فقط باعتباره من سكان الأغواط إحدى مدن الصحراء التي تحدث عنها. حقا إنه قد حج، وهذا يؤهله للحديث عن الجزيرة العربية ولا سيما الحجاز وبعض أخبار تونس التي قد يكون مر بها، ولكن يكاد يكون من المؤكد أنه لم يزر الدرعية السعودية عندئذ، كما أنه من غير المؤكد أنه زار أيضا شنقيط وغدامس وغيرهما من المناطق النائية التي تحدث عنها.
فإذا أخذنا في الاعتبار هذه الملاحظات وجدنا أن رحلة ابن الدين الأغواطي على غاية من الأهمية. فهي مكتوبة سنة 1242 رغم أن بعضهم قد ذكر أن هناك خطأ في هذا التاريخ، وأنه قد كتبها بطلب من قنصل أمريكا عندئذ بالجزائر، السيد وليام هودسون، وهي تقع في كراسة تحتوي على أربع عشرة صفحة، وكان القنصل قد طلب منه المزيد والتفصيل ولكن ابن الدين اكتفى بذلك القدر، ونحن نتصور أن ابن الدين قد كتب أكثر من ذلك لنفسه ولكنه لخص للقنصل ما رآه كافيا، وقد ترجم القنصل هذه الصفحات إلى الإنكليزية ونشرها (¬1). كما ترجمها السيد دافيزاك إلى الفرنسية عن النص الإنكليزي ونشرها أيضا مع تعاليق وتصحيحات هامة (¬2)، وأهم المناطق التي ذكرها ابن الدين في رحلته: الأغواط، وتاقدامت، وعين ماضي، وجبل
¬__________
(¬1) طبعت في لندن، بدون تاريخ، ثم لخصت ذلك تلخيصا وافيا (مجلة أمريكا الشمالية) يوليو 1832، وقد ترجمت هذه الخلاصة إلى الفرنسية في (حوليات الرحلات الجديدة) نوفمبر 1832 أيضا.
(¬2) نشر ذلك في مجلة (الجمعية الجغرافية الباريسية) سنة 1836. عن هذه الرحلة انظر ترجمتنا لها في (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر)، ج 2.

الصفحة 386